تونس- الصباح يستأنف مجلس النواب نشاطه الاثنين المقبل بعد عطلة برلمانية تزامنت مع جملة من المتغيرات والهزات السياسية والحكومية. وإن تراجع دور المجلس في الفترات الماضية لا سيما بعد تحول زمام المبادرة من فضاء باردو إلى قصر قرطاج إبان إطلاق رئيس الجمهورية بادرة "وثيقة قرطاج 1" وما تلاها من مسار وصولا إلى "وثيقة قرطاج 2"، إلا أن التطورات الأخيرة على الساحة السياسية تؤشر إلى استرجاع أو إرجاع زمام المبادرة إلى البرلمان. تراجع دور مجلس النواب كحاضنة رئيسية للنقاشات حول المبادرات السياسية والحكومية لصالح رئاسة الجمهورية بإدارة مباشرة من الرئيس الباجي قائد السبسي خلفت في بدايتها تململا من طرف عدد من النواب الذين اعتبروا أن استحداث مسار قرطاج وحكومة الوحدة الوطنية كانت غايته الأساسية حصول رئيس الجمهورية على صلاحيات لم يمنحها له دستور 2014. وسرعان ما تحول التململ إلى انتقادات لاذعة لما اعتبره جزء كبير من النواب "سطوا من رئاسة الجمهورية على صلاحيات البرلمان" بلغت حد الشروع في توقيع عريضة في الغرض للاحتجاج وذلك إبان بداية تعثر مفاوضات "قرطاج 2" وتمسك المدير التنفيذي للنداء حينها برحيل الحكومة. مناخ متشنج اليوم يستعيد البرلمان على ما يبدو ما كان يطالب به ويحتج ضده بعد "إعلان وفاة" وثيقة قرطاج والطلاق بين النداء والنهضة وانتهاء حقبة التوافق وترحيل رئيس الجمهورية مصير الشاهد إلى مجلس النواب الذي عاد الرئيس الباجي قائد السبسي ليعتبره المصدر الوحيد لشرعية الحكومة. لكن لا تخلو استعادة البرلمان للمبادرة وعودته للواجهة من تحديات ورهانات تؤشر مع مفتتح السنة البرلمانية الجديدة إلى أن العهدة الخامسة والأخيرة لمجلس نواب الشعب قبل الانتخابات القادمة لن تكون كسابقاتها ولعلها ستكون الأصعب وسط مناخ سياسي غير مستقر ومتأزم. وقد عبرت عديد الأطراف عن مخاوفها من التداعيات السلبية للمناخ المتوتر على عمل البرلمان في مستهل سنة مفصلية على أكثر من صعيد، ولعل ذلك ما دفع بحزب آفاق تونس للتعبير عن قلقه مما وصفه ب«الظروف المتشنجة» للعودة البرلمانية، وذلك في بيان صادر منتصف الشهر الجاري عبر فيه أيضا عن "خشيته من تعطل أشغال البرلمان جراء التجاذبات والصراعات بين الكتل بسبب التموقع السياسي للنواب الذي اعتبر الحزب أن لا علاقة له بالعمل البرلماني". ولا تقتصر مؤشرات السنة البرلمانية الجديدة التي تلوح صعبة على الحسم في مصير حكومة الشاهد فحسب، بل لعلها تكون المهمة الأيسر نظريا على اعتبار أن لرئيس الحكومة أغلبية برلمانية مريحة تشكلها كتلة "الائتلاف الوطني" الجديدة وكتلة حركة "النهضة"، والأغلب أن الشاهد سيتقدم لنيل الثقة وقد يحصل عليها، لكن تواجه مجلس النواب ملفات شائكة أخرى قد تزيدها التغيرات والانقسامات الأخيرة والتجاذبات والتوازنات الجديدة بين الأحزاب والكتل تحت قبة البرلمان، تعقيدا لا سيما وأن المجلس سيكون مطالبا بإعادة ترتيب بيته الداخلي على ضوء التطورات الأخيرة مع ما يتطلبه ذلك من توزيع للمسؤوليات على مستوى رئاسة اللجان وأعضاء المكتب. ملفات شائكة اختار البرلمان استنادا إلى روزنامة عمله المضبوطة سلفا أن يفتتح السنة البرلمانية الجديدة بتركة ثقيلة من الاستحقاقات المعطلة في أروقة المجلس بسبب حدة التجاذبات التي حالت دون الحسم فيها وفي مقدمتها ملف المحكمة الدستورية الذي يراوح مكانه رغم أن تأخر تركيز هذه المؤسسة الدستورية إلى اليوم هو نقطة سوداء في مسار الانتقال الديمقراطي الحالي. وإلى اليوم لا تلوح بوادر توافقات ممكنة لإنهاء الجدل حول اختيار البرلمان ل4 قضاة من تركيبة المحكمة الدستورية وإنهاء حالة الفراغ القانوني المقلقة في نظر الكثير من المتابعين وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية الذي دعا في حواره الأخير إلى الإسراع في تركيز هذه المؤسسة الدستورية. ولا أحد يعلم مآلات التوافق الجديدة حول انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بعد أن فشل رؤساء الكتل في التوافق سابقا في أكثر من مناسبة ولم يتسن للمجلس إلا اختيار مرشحة وحيدة في انتظار اختيار المرشحين الثلاثة المتبقين واستنادا لبعض المصادر من داخل المجلس يبدو أن محمد الناصر يعمل قبل انطلاق الدورة، على برمجة جلسة مع رؤساء الكتل للتوافق حول النقاط الخلافية، قبل الجلسة العامة الانتخابية. وتفيد ذات المصادر أن رئيس مجلس النواب يبحث أيضا من خلال لقاءاته مع الكتل على تحضير الأرضية لبقية الاستحقاقات التي لا تقل أهمية على المحكمة الدستورية وتتعلق ببقية الهيئات الدستورية إلى جانب الحسم في الشغور على رأس الهيئة المستقلة للانتخابات بعد استقالة رئيسها ويرشح من خلال الكواليس أنها لن تكون مهمة سهلة بالنظر إلى حدة الخلافات صلب الهيئة وخارجها في سنة دقيقة من عمل الهيئة التي شرعت في الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية القادمة والأكيد أن التجاذبات الحادة على الساحة السياسية ستكون لها تداعياتها على هيئة الانتخابات وعلى الخيارات المستقبلة. ويستأنف مجلس النواب عمله وسط جملة من الرهانات والتجاذبات ستكون حاضرة أيضا في نقاش مشروع الميزانية وقانون المالية 2019. وكذلك في جملة من مشاريع قوانين ذات استعجال نظر من قبل رئاسة الحكومة، وتتمثل في "مشروع قانون متعلق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد ومشروع قانون يتعلق بتنقيح قانون الإرهاب ومشروع قانون يتعلق بالقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري إضافة إلى مشروع قانون يتعلق بضبط اختصاصات محكمة المحاسبات ومشروع قانون يتعلق بانضمام تونس إلى اتّفاقية الاتّحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته.." فهل يكون المجلس في مستوى الحدث وقادرا على التعاطي مع كل هذه الرهانات والتجاذبات خاصة وأن الأجواء تحت قبة البرلمان لن تكون خالية من تواصل السياحة البرلمانية ومن الدعاية الانتخابية؟