"التجاذبات السياسية وبمعنى أصح الانخرامات السياسية التي تعرفها تونس منذ سبع سنوات هي المسؤولة عن كل الانخرامات بما فيها الانخرامات الأمنية وهي أيضا مسؤولة عن سقوط الشهيدين إلى جانب الانخرامات الاقتصادية والاجتماعية... ولذلك فإن السياسيين الذين يدعون أنهم يمثلون الشعب وانتخبهم الشعب أذكرهم بأنهم بأنه سيأتي يوم ويحاسبهم الشعب عن كل ما يحصل في البلاد طيلة الفترة التي منحوهم فيها الثقة"... تصريح قوي وجريء لم يصدر عن أحد زعماء الأحزاب والحركات المعارضة غير المشاركة في الحكم بل عن أحد أعمدة حكومة يوسف الشاهد وبالتحديد وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي خلال تأبينه أول أمس للشهيدين من القوات المسلحة اللذين سقطا بانفجار لغم أرضي وضعه الارهابيون داخل المنطقة العسكرية المغلقة بجبل الشعانبي، ما يعطيه وزنا ومصداقية لدى عامة الناس، خصوصا أن المعروف عن الوزير الزبيدي نأيه بنفسه في العادة عن كل التجاذبات السياسية وحصر تركيزه في شؤون وزارته ومجالات اختصاصه. تصريح يقطع تماما مع منهج التعتيم المعتمد إلى حد الآن من قبل الطبقة السياسية الحاكمة بمختلف مكوناتها فيما يتعلق بالمعوقات الحقيقية التي تعاني منها البلاد والتي حالت وما زالت تحول إلى حد اليوم دون نهوضها من كبوتها ونجاحها في الخروج من الأزمة متعددة الجوانب التي تتخبط فيها سنوات، وذلك من خلال وضع الاصبع على الداء مباشرة وبلا مواربة. ذلك أنه لم يعد يحتاج إلى تقديم دليل أو إثبات على أن المعركة في أعلى هرم السلطة في البلاد تحولت خلال السنوات التي أعقبت الثورة على نظام المخلوع بن علي إلى معركة كراسي ونفوذ فيما كان يفترض أن تنصب الجهود على محاولة إنقاذ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية والأمنية الوطنية وإعادة بنائها على أسس صحيحة وسليمة حتى يتم إنجاز عملية الانتقال الديموقراطي بسلاسة وبأقل قدر ممكن من الخسائر. معركة كراسي ونفوذ استعرت خلال العامين الأخيرين بصورة ملفتة مع تسارع الانقسامات داخل حزب نداء تونس الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وبلغت أوجها بتوقيع القطيعة بينهما مما أدخل الارباك على العمل الحكومي وأدى إلى تغييب معالجة الملفات الحارقة التي يتطلع إليها المواطنون. وضعية لا شك في أنها تزيد من درجة الاحتقان الشعبي المنذر بانفجار قد يحدث قريبا في حال استمرارها وعدم إدراك قياداتنا السياسية درجة خطورتها، وهو في تقديرنا عين ما أراد الوزير عبد الكريم الزبيدي التنبيه إليه..