لعلّ الخوض في معضلة العطل المرضية الطويلة أو القصيرة المدى لبعض الاطارات التربوية ومدى شرعيتها يعتبر من الإشكاليات أو العلل الجديدة القديمة للمنظومة التربوية، لكن من الضروري في ظلّ الأرقام المفزعة -وتداعياتها على المنظومة التربوية برمتها- فضلا عن بعض السلوكيات التي لا تليق مطلقا «بالإطارات التربوية»، أن تتولى سلطة الإشراف ضبط استراتيجيّة فعّالة تطوّق من خلالها هذه الظاهرة لا سيّما أن المعضلة ما فتئت تستفحل من سنة إلى أخرى. فأولياء أمور التلاميذ يشتكون اليوم من تفاقم ظاهرة العطل المرضية (القصيرة المدى) لبعض الاطارات التربوية جراء عدم سعيهم إلى تعويض الحصص التي تغيّبوا فيها مستنكرين انعكاسات ذلك على التحصيل العلمي لأبنائهم التلاميذ، داعين في هذا السياق سلطة الاشراف الى «إجبار» كل مربّ يتغيب لمدة ثلاثة أيام أو أسبوع على تعويض الحصص التي تغيّب فيها. بلغة الارقام، بلغت كلفة إجمالي الغياب لجميع الأسباب (مرض عادي وطويل الأمد وأسباب أخرى) وفقا لإحصائيات وزارة التربية 123,963 م.د كما بلغ إجمالي أيام العمل المهدورة بسبب الغياب بجميع أسبابه 1885272 يوم عمل خلال السنة الدراسية 2017/2018، في حين بلغ عدد أيام الغياب بالنسبة للإطار المدرس 1166712 يوم عمل دون اعتبار المرض طويل الأمد… كما بلغ عدد أيام الغياب بالنسبة للإطار المدرس بسبب المرض العادي 1072453 يوم عمل. لتقدر بذلك نسبة الغياب دون اعتبار المرض طويل الامد ب 5.16 بالمائة. وقدرت بذلك كلفة الغياب دون اعتبار المرض طويل الأمد ب 76,715 م.د. في حين بلغت نسبة الهدر بسبب المرض العادي من إجمالي الغيابات دون اعتبار المرض طويل الأمد ب 91,9 بالمائة. محاولة لتضييق الخناق من هذا المنطلق وبالنظر لأهمية الارقام السالفة الذكر، حاولت وزارة التربية من خلال المنشور الصادر عنها بتاريخ 5 اكتوبر 2018 والمتعلق بالعطل المرضية «تضييق الخناق» على هذه الظاهرة، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين على غرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي التي اعتبرت الأمر غير قانوني. وجاء في منشور الوزارة الذي حمل عنوان «مزيد إحكام مراقبة الحضور» ضرورة إرفاق مطالب عطل المرض والشهائد الطبّية بنسخ من الوصفات الطبّية تامّة الدفع فضلا عن تكثيف الرقابة الإداريّة والطبّية التي تمارسها الإدارة على طالبي رخص المرض خلال الفترة المعنية، وذلك بإجراء مراقبة آلية بالنسبة إلى العطل التي تساوي أو تفوق مدّتها 5 أيّام. ويأتي هذا القرار سعيا إلى «إضفاء مزيد من النجاعة وتحقيق المردوديّة المرجوّة من أداء سائر موظّفي وأعوان وزارة التربية وضمانا لحسن سير المنظومة التربويّة والارتقاء بأدائها، بما يمكّن من الحدّ من التداعيات البيداغوجيّة والإداريّة والماليّة لظاهرة الغياب» وفقا لما ورد في نص المنشور. وكرد عن هذا المنشور أصدرت الجامعة العامة للتعليم الثانوي بيانا نددت فيه بهذا الإجراء بوصفه «غير قانوني ومخالف للفصل 41 من القانون عدد 112 للوظيفة العمومية وغير اخلاقي لأنه يجبر المدرسات والمدرسين على الكشف عن طبيعة مرضهم من خلال الأدوية التي توصف لهم، وهو ما يعني الكشف عن معطيات شخصية محمية بحكم القانون» داعية الهياكل النقابية للتصدّي له بكلّ الصيغ القانونية والنضالية المتاحة. كما استنكرت الجامعة العامة للتعليم الثانوي الربط المتعمد بين هذا الإجراء وحسن سير المنظومة التربوية والارتقاء بأدائها معتبرة أن هذا الربط يكشف سعيا لدى وزارة التربية لتحميل المربين «مسؤولية فشلها في الارتقاء بالمنظومة التربوية وإصلاحها داعية الإطار التربوي إلى عدم الالتزام بالمنشور» حماية لحقّهم في عدم الكشف عن معطيات تخصّهم دون سواهم. يجب تحفيز المربي في هذا الخضم وحتى لا يتحول الامر إلى سياسة لي ذراع بين الطرف النقابي وسلطة الإشراف بما ينعكس سلبا على مصلحة التلميذ يرى كثيرون من المهتمين بالشأن التربوي انه من الضروري تجاوز هذا الإشكال عبر الآليات التحسيسية والتحفيزية الممكنة، وهو ما عبّر عنه رضا الزهروني رئيس جمعية الاولياء والتلاميذ حيث قال في تصرح ل»الصباح» انه «من الضروري معالجة معضلة العطل المرضية في صفوف الاطارات التربوية بجدية وذلك من خلال اعتماد منهجية توعوية بالأساس»، مشيرا الى ان «الحلول القانونية من الضروري ان تراعي خصوصية المربي كأن لا يكشف المربي عن مرضه أو نوعية الادوية التي يتناولها». واضاف رئيس جمعية الاولياء والتلاميذ انه يتعين اعتماد منهجية توعوية وتحسيسية تقوم على تحفيز الأستاذ داخل القسم..