لن ينال أهالي مدينة قابس ومدن الجنوب عموما أي نصيب من سلسلة عروض أفلام أيام قرطاج السينمائية في دورتها 29 الحالية إذ أن القدر ما يزال يحتم على مدن الواحة والبحر والجبل ألا تنعم بجمال صورة الشاشة الكبيرة وستتوقف هذه الأيام السينمائية عند عاصمة الجنوب صفاقس، التي -وإن ستحتضن عددا من عروض الدورة، فإن المشهد الثقافي فيها كذلك يشهد منذ فترة حركة نضالية جديدة من أجل رسم خط ثقافي يتماشى وواقع الجهة. أطفال وشباب وكهول قابس لن تنعم أعينهم بمتابعة "صوفية" لمريم بن مبارك و"لعزيزة" لمحسن بصري من جمال السينما المغربية؛ ولن يهيم مخيالهم مع "يارا" لفاضل عباس من العراق، ولن يعرفوا حتى سينما تونسنا "في عينيا" لنجيب بلقاضي و"فتوى" محمود بن محمود و"ولدي" لمحمد بن عطية وغيرها من الأفلام التونسية. قابس، لن تشهد تكريم أكبر منتج أفلام سينما في العالم السينما الهندية التي تنتج ما يقارب 2000 فيلم في السنة وكذلك السينما البرازيلية والسينغالية والعراقية، ولن تتجمل كذلك شوارعها وأنهجها بزينة معلقات أيام قرطاج السينمائية. ولن يعرف شبابها ورشات وحلقات نقاش في فضاء هو في مخيلتنا افتراضي نريده "نجمة الجنوب"على غرار فضاء "نجمة الشمال" الذي يحتضن نقاش الأفلام. قابس ورغم تثمين مولود قاعة سينما خاصة فيها مؤخرا فإنها من بين مدن كثيرة تغيب عنها قاعات العروض لتجعل منها مدينة حالمة بأن يكون لها شاشات عروض تليق بأجيالها القادمة كسلاح ودرع واقي من الفراغ والتهميش والضمانة الأولى لمحاربة الفكر الظلامي الذي لا يترعرع وينمو إلا داخل المدن التي تنتفي عن جدرانها ضربات الفرشاة وعن ساحاتها فنون الرقص والغناء. وفي ظل غياب لقاعات السينما التي يفترض أن تكون سينما في كل الأحياء والأرياف والقرى لا مجرد لقاءات نخبوية لا تتوجه إلى الجمهور العريض. قابس اليوم ورغم احتضانها لمهرجان سينما بات دوريا بدعم من القديرة هند صبري، فإنها وكمدينة لم تلامس عمق رسم خارطة تقف على حقيقة المشهد السينمائي بالجهة من حيث انشاء قاعات عروض تمكنها من احتضان مثل هذه التظاهرات الدولية وبالكم الهائل من الأفلام الذي ستحرم منه الجهة. ولعل ثقافة الحياة اليوم في مواجهة ثقافة الموت وآخرها المحاولة التفجيرية التي حصلت في "شارع السينما والحياة" الحبيب بورقيبة تجعل من الرسالة مضمونة الوصول إلى المشرفين على المهرجان والشأن الثقافي ليبعثوا برسالة إيجابية تجاه مدن الجنوب بتنظيم سلسلة من عروض أفلام أيام قرطاج السينمائية حتى بعد انتهاء البرمجة الرسمية للمهرجان ليتنقل بذلك نحو عاصمة الحناء قابس التي من حق جماهير السينما فيها التمتع ولو بجزء من هذه البرمجة.