مرة أخرى تلجأ نقابة التعليم الثانوي إلى ارتهان أبنائنا التلاميذ وتضعهم كدروع في صراعها مع سلطة الإشراف، بعد أن قررت الهيئة الإدارية للجامعة العامة لنقابة التعليم الثانوي مقاطعة امتحانات الثلاثي الأول متعللة بفشل المفاوضات مع وزارة التربية ومصرة على التعدي على حق التلميذ الطبيعي في الخضوع للاختبار والتقييم ما لم يتم تحقيق مطالبها. إصرار نقابة التعليم الثانوي على مقاطعة الامتحانات وارتهان التلاميذ مرة أخرى، يؤكد تمسك قياداتها بخيار التصعيد الذي انتهجته خلال السنوات الماضية، رغم رفض المكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل لهذا التمشي والانقسام الحاصل حتى داخل أساتذة التعليم الثانوي أنفسهم وتأكيدهم عدم القبول بالزج بالتلاميذ ومستقبلهم في صراعات النقابة والوزارة. أزمة التعليم الثانوي المتجددة والمتكررة، أدخلت الارتباك والقلق صلب أكثر من 900 ألف تلميذ وأوليائهم، ووجدوا أنفسهم في كل مرة حطب معركة بين الطرفين الحكومي والنقابي.. طرف أول متمسك بسلطة القانون ومتمسك باتفاقيات سابقة وطرف ثان متمسك بسقف عال لطلباته المتواصلة ومصر على تلبيتها وتحقيقها مهما كلّفه الأمر... ليتواصل الشد والجذب بين النقابة والوزارة ملقيا بتداعياته وظلاله على السير العادي للدروس والامتحانات خلال الثلاثي الأول من الموسم الدراسي الحالي، ليكون التلميذ والولي الخاسر الأكبر في هذه المعركة خاصة إذا ما نفذت النقابة تهديدها وقاطعت الامتحانات. إن الوضع الراهن لقطاع التعليم العمومي وتعدد إضراباته واضطراباته، جعل الحق في الدراسة مهددا في ظل ما تمارسه نقابات الثانوي وحتى العالي من ضغط وتصعيد يهدد في كل مرة السنة الدراسية والجامعية ب"سنة بيضاء" ليصبح هذا الحق في الدراسة رهين مفاوضات ورهين مطالب واستجابة لهذه المطالب... وربما حتى رهين أهواء شخصية ورغبة في التحدي من بعض النقابيين الذين ضربوا بمبادئ حشاد ومحمد علي عرض الحائط وتناسوا المبادئ والقيم والوطنية التي ميزت الاتحاد العام التونسي للشغل منذ تأسيسه في 20 جانفي 1946. إن المصلحة العامة تقتضي اليوم الحد من التصعيد ومن الإضرابات ومراعاة واقع البلاد خاصة منه الاقتصادي والتخلي عن منطق القوة والتصعيد والتوجه نحو خيارات أخرى سلمية وغير تصعيدية للمطالبة بالحقوق.. خيارات، أهمها التفاوض، يمكن أن تحقق المطالب المعقولة والمقبولة وفي نفس الوقت تراعى مصلحة الجميع وخاصة المصلحة الوطنية العليا.. خيار التفاوض والحوار غالبا ما كان ناجحا وغالبا ما أتى أكله وأوصل الأطراف المتفاوضة إلى حلول معقولة ترضي الجميع وتكون محل إشادة.. فكيف لتونس الحائزة على جائزة نوبل للسلام بفضل "الحوار" أن تتخلى عن هذا المكسب وتفسح المجال للبعض لفرض الرأي وفرض المطالب بالقوة حتى لو كانت على حساب المصلحة الوطنية ومصلحة ومستقبل التلميذ عماد المستقبل؟