ما تزال معتمدية سبيبة وجهة القصرين عموما تعيش على وقع مخلفات العملية الارهابية المزدوجة التي نفذتها عناصر كتيبة «جند الخلافة» الداعشية مساء أمس الاول بالسطو على فرع بنكي بمدينة سبيبة ثم اغتيال شقيق الشهيد سعيد الغزلاني، من تعزيزات عسكرية وامنية وعمليات تمشيط جوي وبري لمرتفعات جبل مغيلة وابحاث وتحقيقات واستماعات لاعوان الفرع البنكي المستهدف وشهود العيان لمحاولة الكشف عن مزيد المعطيات التي من شانها ان تساعد على الوصول للمجموعة الارهابية والايقاع بها.. تخطيط محكم التنفيذ المحكم والدقيق وفي وضح النهار، للعملية الارهابية المزدوجة يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك انه تم الاعداد لها منذ ايام وبعد مراقبة ومتابعة طويلة لمسرح وقائعها، مع توزيع محكم للادوار بين الارهابيين الذين قاموا بها، لان نزول 12 ارهابيا من معاقلهم باعماق غابات مغيلة، ثم توجههم الى منزل احدى العائلات بسفح الجبل وافتكاك شاحنة خفيفة من صاحبها وحجز افراد الاسرة الى حين انتهاء العملية حتى لا يسارعوا بابلاغ الامن عن الاستيلاء على الشاحنة، لم يكن بالصدفة باعتبار انه لا توجد في المنطقة منازل كثيرة يملك اصحابها سيارات يمكن استعمالها كوسيلة نقل في الذهاب الى مدينة سبيبة والعودة منها على مسافة تقارب 30 كلم ذهابا وايابا، كما ان اختيار ذلك الفرع البنكي المستهدف ومساء يوم الجمعة تحديدا ليس من فراغ لانهم يعلمون جيدا انه يوم السوق الاسبوعية بسبيبة الذي يتوافد فيه على المنطقة مئات التجار والفلاحين ومربي الماشية لايداع اموالهم في الفرع المذكور بما يضمن لهم الاستيلاء على مبالغ هامة اتضح بعد العملية انها تقارب 320 الف دينار، كما ان التوجه بعد ذلك الى منزل عائلة الشهيد سعيد الغزلاني الذي يبعد قرابة 12 كلم عن سبيبة ويوجد في طريق عودتهم الى معاقلهم بالجبل، لم يكن بالصدفة لانهم علموا مسبقا بان شقيقه خالد الغزلاني المستهدف بالاغتيال كان موجودا في المنزل ساعتها ولا احد معه قادر على حمايته من رصاصهم. تواطؤ .. كل التفاصيل المذكورة بالإضافة الى الوقت الطويل الذي استغرقته العملية من اولها الى آخرها والذي يقارب ال 50 دقيقة حسب شهادات اهالي المنطقة والمسالك التي مر منها الارهابيون منذ افتكاك الشاحنة الخفيفة الى حين تركها بسفح الجبل والفرار على اقدامهم بغنيمتهم، تؤكد دون أي شك ان هناك من تواطأ معهم وامدهم بالمعلومات اللازمة حول وجود الشاحنة وتوفر مبالغ كبيرة بالفرع البنكي وتواجد شقيق الشهيد في منزله وغياب التواجد الامني الكافي بالمدينة وغيابه الكلي عن محيط منزل الشهيد رغم مطالبته اكثر من مرة بتوفير الحماية له ولجميع افراد عائلته بعد ان تعرضوا اكثر من مرة الى تهديدات جدية مثلما صرح به شقيقه امس.. والمتواطؤون مع الارهابيين هم على الارجح اقارب عناصر منهم باعتبار ان فيهم بعض الارهابيين اصيلي سبيبة والمناطق الريفية المتاخمة لجبل مغيلة أو احد هؤلاء الذي قد يكون تسلل من الجبل منذ ايام وقام باستكشاف اماكن تحرك المجموعة التي نفذت العملية. اتهام.. ولئن أفاد أفراد من أسرة الشهيد ان ابن عمهم كان من ضمن الارهابين الذين شاركوا في اغتيال الشهيدين سعيد (في نوفمبر 2016) ثم شقيقه خالد الغزلاني، وان مقربين منه سهلوا له عملية الاغتيال بمده بمعلومات تشير الى تواجد الشهيد خالد مساء الجمعة بمنزله، فان هذه المعطيات ستبين الابحاث الجارية مدى صحتها من عدمها. نفاد المؤونة والأموال.. رغم كل ما خلفته العملية الارهابية المزدوجة من آلام وحزن وانتقادات للفشل في التصدي لها والقاء القبض على منفذيها او تصفيتهم، فان فيها اشارة ايجابية و هي ان ارهابيي «داعش» المتمركزين بجبل مغيلة، قد نفدت عنهم الاموال والمؤونة وانهم اضطروا للخروج من اجل «الاحتطاب» بالسطو على الفرع البنكي لتوفير السيولة التي تمكنهم من «شراء» ما يلزمهم من بعض الذين باعوا ذمتهم للارهاب وما يزالون يتعاونون معهم مقابل مبالغ كبيرة، ولكن من جهة اخرى فان الاموال الطائلة التي غنموها من عمليتهم (حوالي 320 الف دينار) ستسمح لهم بتحقيق «اكتفائهم» من المؤونة لعدة اشهر طويلة، ما لم تقع مواصلة التضييق عليهم والقاء القبض على كل من يتعاون معهم. إعادة السيناريو.. ما حصل مساء امس الأول في سبيبة باستثناء عملية اغتيال شقيق الشهيد الغزلاني، تكرر قبل اشهر بمدينة القصرين ونفذته مجموعة تابعة لذات التنظيم لكنها متمركزة بجبل السلوم الواقع بالضاحية الجنوبية للمدينة، لما نزل عناصر منها من الجبل واستولوا على سيارة احد المواطنين وتحولوا على متنها الى فرع بنكي (خاص ايضا) يوجد بقلب مدينة القصرين بشارعها الرئيسي لا يبعد عن منطقة الامن الوطني غير حوالي 300 متر واقتحموه تحت التهديد برشاشاتهم واستولوا على مبلغ مالي يقارب 90 الف دينار، ثم فروا عائدين الى معاقلهم بعد ان تركوا السيارة باحدى المسالك الجبلية. أين الأمن؟ العمليتان نفذتا بنفس السيناريو وهو ما يثير حولهما وخاصة حادثة سبيبة المزدوجة العديد من التساؤلات حول الفشل الامني في التصدي لهما او على الاقل تصفية او القاء القبض على عناصر من المجموعة، وتعليقا على ذلك اشار الكثير من شهود العيان الى غياب تدخل الامن طوال الوقت الذي استغرقته حادثة السطو على الفرع البنكي بسبيبة (ونفس الشيء في القصرين قبل اشهر)، وانه لم يقع التفطن للعملية الا بعد فرار الارهابيين، وهو ما يشير الى وجود تقصير لا شك فيه في العمل الاستخباراتي وفي اجراءات التوقي من مثل هذه التحركات الارهابية الخطيرة، خصوصا وان حادثة مساء اول امس جاءت بعد اسبوع فقط من زيارة وزير الداخلية لجهة القصرين (يوم السبت 8 ديسمبر) واجتماعه بالقيادات الامنية للشرطة والحرس الوطنيين وتاكيده على جاهزية مختلف الفرق للتصدي للارهاب والجرائم المنظمة، والاكيد ان وزارة الداخلية ستتخذ مثلما اكده امس ناطقها الرسمي الاجراءات اللازمة في صورة ثبوت وجود أي اخلالات امنية في العملية الارهابية المزدوجة بسبيبة.