نظمت رابطة الكتاب الأحرار فرع بنزرت ندوة فكرية حول الاصدار الأخير للدكتور عبد اللطيف الحناشي "الدين والسياسة في تونس والفضاء المغاربي بين الارث التاريخي واكراهات الواقع" بقاعة الاجتماعات الكبرى ببلدية بنزرت،بحضور المؤلف الذي قام بتوقيع كتابه. وقد بين رئيس فرع الرابطة ببنزرت فوزي الصدقاوي في كلمته في البداية أن هذه الندوة تنعقد بمناسبة صدور هذا الكتاب في سبتمبر 2018 ، وتندرج في اطار المحور الحضاري الذي يشكل أحد اهتمامات رابطة الكتاب الأحرار، والتطرق بالبحث والنقاش الى ما يشغل الفضاء العام، والتوجه الى معالجة القضايا الساخنة بعقل بارد، من أجل ترشيد نشاط المجتمع المدني والسياسي، وتطوير هذا العقل وانارته وشحنه بوسائل التحليل الموضوعي في شتى المواضيع التي تهم الرأي العام. واثر ذلك تولى الدكتور زهير بن يوسف تقديم الكتاب وصاحبه، فبين أن الدكتور عبد اللطيف الحناشي هو أستاذ جامعي مختص في التاريخ السياسي المعاصر، وعضو بعدد من المؤسسات والهيئات الأدبية والحقوقية التونسية والعربية، وله الكثير من البحوث والدراسات والمؤلفات. وأوضح أن الكتاب، وهو من الحجم الكبير، يتناول كما يدل عليه العنوان وصورة الغلاف علاقة الدين بالسياسة في تونس وفي العالم العربي، فلئن حسم الغرب هذه المسألة منذ غاليلي وكوبرنيك، بعدما كانت المعرفة حكرا على الكنيسة، فانها مازالت تشغل الفضاء الوطني في العالم العربي الاسلامي وعبر عنها ذلك الجدل بين الدين والدولة ،والشريعة والقانون، والحاكمية والديمقراطية، وحقوق الانسان ومشروع قانون الحريات الفردية والمساواة، والخصوصية والكونية، والأحكام السلطانية والسياسة، وهو ما يشرع طرح السؤال: لم لم تحسم هذه المسألة بعد؟ وقد لفت المؤلف النظر الى ذلك في مقدمة الكتاب بالقول: "تضاعف حضور الدين في الفضاء العمومي منذ الربع الأخير من القرن العشرين، وازداد تواترا بعد الانتفاضات الشعبية في المنطقة العربية وما أفرزته من تحولات سياسية في اطار مراحل الانتقال الديمقراطي مما أتاح للأحزاب والتيارات ذات المرجعية الاسلامية في المنطقة المغاربية النشاط بكل حرية، وتمكن بعضها من تصدر المشهد السياسي، بل تحولها كأحد أبرز مكوناته وتأثيرا في مساراته ، وان بتفاوت ، كحزب العدالة والتنمية في المغرب الأقصى وحزب النهضة في تونس ... فهل بإمكان الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية في المنطقة المغاربية المساهمة في تصحيح العلاقة المعيارية بين الدين والديمقراطية واطارها العلماني الذي من دونه لن تكون ديمقراطية ، خاصة وأن بعض الشروط التاريخية والثقافية لتلك البلدان تبدو متوفرة ؟ " . وتطرق المتحدث اثر ذلك الى منهجية الكتابة، فأوضح أن المؤلف قسم الكتاب الى قسمين كبيرين خصص الأول منه لعرض وتحليل العلاقة بين الدين والسياسة في تونس، وخصص القسم الثاني لبعض مظاهر الظاهرة في المجال المغاربي. وبين أن المؤلف اعتمد في هذه القراءة آليتين وهما: التاريخية والتزامنية. وقد تجلى من خلال هذه القراءة أن الكاتب ليس معنيا بمسألة الدين والدولة فقط، وانما تناول مأزق تمثل الاسلام في العالم العربي عموما والمغاربي خصوصا، ليس من خلال علاقة الرسالة بالتاريخ، وانما في الحالة الدينية بمختلف تمظهراتها أي الاسلام الرسمي والاسلام الاحتجاجي، وأن الكاتب يدعو الى اعادة التفكير فيها، وما يترتب على ذلك من انفكاك الارتباط بين الحركات الحزبية والحاضنة الدينية باعتماد "العقل الثاقب اللطيف" حسب عبارة الجاحظ. وأشار الناقد كذلك الى التحليل المستفيض الذي قدمه المؤلف لحزب حركة النهضة من السرية الى العلن، ومن البداية الى المؤتمر العاشر الذي تم خلاله الاقرار بالفصل بين الدعوي والسياسي ليتساءل : هل ان ذلك يشكل انعطافة حقيقية أم هو اختيار مرحلي تكتيكي؟ وهل هو خروج فعلي من جلباب "الأخونة" الى الجبة التونسية؟ لذلك ولغيرها من المسائل القيمة التي يطرحها المؤلف، والأحداث والمهمة التي يوثقها، يبقى الكتاب مرجعا مهما للدارسين والباحثين في مسألة الدين والسياسة في تونس والفضاء المغاربي. منصور غرسلي