أنهت تقريبا جل الشركات المتمركزة في تونس في العديد من القطاعات الاقتصادية سنة 2018 على ارتفاع هام في رقم معاملاتها محققة نموا مطردا في أرباحها، وعلى سبيل الذكر، حققت شركة اسمنت بنزرت نموا في رقم معاملاتها من 63.5 م د سنة 2017 إلى 83.3 مليون دينار كامل سنة 2018، وحققت شركة»SOTUMAG « كذلك نموا بنسبة 3.3 بالمائة في أرباحها في نفس السنة لتصل قيمة الأرباح إلى 13.2 مليون دينار مقابل 12.8 مليون دينار خلال سنة 2017. كما حققت شركة «يونيماد» نموا بما يناهز ال24 بالمائة في رقم معاملاتها السنوي لتصل إلى حدود ال87 م.د مقابل 70.3 م د قبل سنة، وكذلك مجموعة «مونبري» التي سجلت ارتفاعا بنسبة 6.2 بالمائة في رقم معاملاتها لتصل سنة 2018 إلى 615.2 مليون دينار وفي نفس السياق، ارتفعت كل مؤشرات شركة « SOPAT» ب30 بالمائة ليصل رقم معاملاتها إلى 87.1 مليون دينار مقابل 60 مليون دينار قبل سنة... إلى جانب الأرباح الهامة التي حققتها البنوك الخاصة وهو ما أثار الكثير من اللغط بين التونسيين وخاصة المراقبين في الشأن المالي والاقتصادي على اعتبار أن البلاد بجميع مؤسساتها تعاني من أزمة مالية حادة نحو ما يزيد عن الثماني سنوات متتالية مع تعطل كل محركات الاقتصاد المحققة لقيمة مضافة على غرار التصدير والاستثمار، مما أدى إلى تراجع نسبة النمو الاقتصادي للبلاد حتى لا تتجاوز اليوم حدود ال2.8 بالمائة. وفسر المختص في الشأن الاقتصادي عبد الجليل البدوي ل«الصباح» هذه الوضعية بأنها نتاج التوزيع غير العادل للثروة بين كل فئات المجتمع واحتكار الناشطين في القطاع الموازي على النصيب الأكبر في ظل تنامي ظاهرة التجارة الموازية في المجتمع، مبينا أن النشاط الاقتصادي وخلق الثروة رغم الصعوبات الاقتصادية موجود ولو بنسق بطيء بما يعني تكديس الأرباح والأموال لم يتوقف لكن المشكل هو توزيع هذه الثروة. وأضاف البدوي في ذات السياق أن السبب الرئيسي وراء هذه الوضعية هو تواصل تجاهل الناشطين في القطاع الموازي القوانين وعدم احترامها في ظل انهيار الدولة التي من المفروض أن تكون متسلحة باليات ردعية للتصدي لمثل هؤلاء الناشطين وهو ما يؤكد تورطها تجاه هذا القطاع، مشيرا إلى أن هذه الوضعية الخطيرة ستعمق من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس ما بعد الثورة. والملفت للنظر هو الذي بينه البدوي بخصوص المتغيرات الجديدة وانقلاب الصورة المتعارف عليها في ما يتعلق بتعامل الدولة مع القطاع الموازي قديما وحاليا، فبعد أن كانت الدولة توظف السوق غير الشرعية والقطاع الموازي لتعديل سوق الشغل وسوق البضائع قصد التخفيف في التوترات الاجتماعية من جهة ودعم التصدير من خلال استغلال فائض الإنتاج خاصة في الميدان الفلاحي من جهة ثانية وغض النظر على توريد بعض السلع حفاظا على القدرة التنافسية للمواطن إلى جانب الدواعي الأمنية، أصبح هذا القطاع هو الذي يوظف الدولة بكل هياكلها على غرار الديوانة والأمن ليصبح هناك تشابك وغموض في الحدود بين الاقتصاد المنظم والاقتصاد غير المنظم. فعلى مستوى المؤسسات البنكية، أشار البدوي إلى أن الأرباح التي تحققها البنوك الخاصة يفسر تغولها على حساب مؤسسات الدولة في القطاع وذلك بسبب السياسات النقدية المعتمدة في تونس فبعد استقلالية البنك المركزي الجهة التي كانت الدولة تتوجه إليها للاقتراض عند الحاجة إلى تمويلات بنسبة فائدة منخفضة لا تتجاوز ال1 بالمائة، أصبحت اليوم تلتجئ إلى البنوك الخاصة لتقترض منها وبنسبة فائدة مرتفعة تتراوح في ما بين 7 و8 بالمائة وهو ما يجعلها تسجل أرباحا خيالية حتى أصبحت نسبة هامة من مواردها للقروض الاستهلاكية. وبين البدوي انه من الصعب الخروج من هذه الدائرة التي تورطت فيها الدولة والتي أثرت سلبا على اقتصادها، لأنها تتطلب تغييرا جذريا وإعادة مراجعة السياسات النقدية التي تمليها عليها المؤسسات المالية العالمية الليبرالية على غرار صندوق النقد الدولي وهذا ما حصل مع تونس لان الصندوق يوجهه إملاءاته نحو استقلالية البنك المركزي من جهة وتقزيم دور الدولة في البعد التنموي حتى تتخلى عنه نهائيا من جهة ثانية، مؤكدا على أن هذه الاملاءات تعكس ضغوطات حادة تواجهها تونس في كل مرة عند حاجتها للاقتراض من هذه المؤسسة المالية. وأشار محدثنا في هذا السياق إلى أن تغول القطاع الخاص من مؤسسات وبنوك أدى إلى تداخل المصالح وتوسع رقعة بارونات التهريب وهو ما سيعطل حتما عملية الإصلاح التي قد تكون الآلية الناجعة للتصدي لظاهرة التجارة الموازية الخطيرة والتي تهدد اقتصادنا، مؤكدا على ضرورة سن قانون طوارئ اقتصادي يمنح الدولة الحق في مصادرة ممتلكاتها وكل الحسابات الجارية مع ضرورة إعادة النظر في سياسة الاقتراض التي تعتمدها البنوك الخاصة لأنها تعتبر غير منطقية خاصة مع الدولة وكل ذلك من اجل التصدي إلى ظاهرة التهريب الذي يعد الظاهرة الأخطر اقتصاديا واجتماعيا...