ماذا لو اقدم القراصنة على تفجير حمولة السفينة السعودية المختطفة او اهدارها في البحر؟ قد لايكون بالامكان تخيل سيناريو اسوا ولا اخطر من هذا الاحتمال الذي من شانه ان يشكل كارثة بيئية وامنية واقتصادية وهو سيناريو سيظل قائما طالما ظلت ناقلة النفط السعودية العملاقة وعلى متنها شحنة من النفط تقدر بمائة مليون دولار بين ايدي القراصنة الذين وضعوا عليها ايديهم مطالبين بفدية لا يستهان بها والامر طبعا يتعلق ايضا بالسفينة الاوكرانية المحملة بالدبابات والسلاح التي كانت متجهة الى كينيا والمحتجزة لدى القراصنة منذ اسابيع ...ساعات قليلة اذن فصلت بين اختطاف السفينة السعودية المحملة بالذهب الاسود وبين خبر اختطاف سفينة صينية محملة بالقمح الى ايران وكان القراصنة ارادوا بذلك الرد على كل التنديدات والتحركات والتصريحات التي رافقت اختطاف السفينة السعودية التي اعتبرت العملية الاكثر خطورة حتى الان والتاكيد على قدراتهم في تحويل وجهات السفن البحرية واحتجازها في انتظار تحقيق مطالبهم في جمع الاموال حتى انه كلما اعلن عن اطلاق سراح سفينة الا واعلن عن اختطاف اخرى اواكثر في خليج عدن ابرز الممرات المائية في العالم والتي تتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الاحمر وقناة السويس وذلك رغم تواجد سفن امريكية واوروبية واخرى تابعة للحلف الاطلسي... ولاشك ان في نجاح القراصنة في عمليات سابقة في الحصول على الفدية المطلوبة كما هو الحال في حادثة السفينة اليابانية التي ظلت رهينة نحو ثلاثة اشهر ما شجع القراصنة الجدد الذين يعتقد انهم من خفر السواحل السابقين على تكرار مغامراتهم واظهارالتحدي للقوى الكبرى التي تجوب سفنها المنطقة حتى بلغت قيمة ما غنموه منذ بداية العام ثلاثين مليون دولار... على غرار الافلام السينمائية والقصص الخيالية الناقلة لاخبار ومغامرات قراصنة البحر المتربصين بالسفن التجارية منذ عهد الاغريق والرومان وحتى القرون الوسطى عادت اخبارالقرصنة وقطع الطريق على القوافل التجارية والاغارة عليها لتتصدرالاخبارالعالمية مع فارق مهم هذه المرة وهو ان الامر لا يتعلق بافلام كارتونية او مغامرات خيالية انتقامية لمجموعات متمردة من اصحاب الارجل الخشبية والعين الواحدة الساعية لنصرة الفقراء والمحتاجين بل بحقيقة قائمة باتت تؤرق القوى الكبرى في العالم وتثير مخاوفها الامنية في احدى الممرات الامنية الحيوية بالنسبة لنشاطات الحركة التجارية والملاحة العالمية وتحديدا في منطقة تتجاوز مساحتها المليون ميل مربع والتي تشهد ثلث عمليات القرصنة في العالم... باسلحة اوتوماتيكية واجهزة لاسلكية تظهر تلك المجموعات فجاة على متن زوارق صغيرة لتحيط بالسفن العابرة وتطوق طاقمها وتعلن احتجازها مطالبة في وقت لاحق بفدية مالية تقدر حسب قيمة الرهينة في عملية قد تبدو محدودة المخاطر ولكنها في المقابل مدرة للمكاسب والارباح اوهكذا على الاقل يبدو. ليس مهما نوع الحمولة ولاهوية السفينة بل المهم ان يكون للجماعة صيد بين ايديها تحصل بمقتضاه على المال تلك اذن الصورة الظاهرة اما الصورة الخفية للمشهد فهي بالتاكيد تداري شبكات سرية واسعة تشترك في اقتسام ونشر وتبادل المعلومات حول هوية وتوجهات السفن المعنية ولكن ايضا حول حمولاتها وقدراتها وجاهزيتها الامنية في التصدي لاية محاولة اختطاف قد تواجهها ولكنها شبكات تشترك بالتاكيد في ثمار الصيد وما يمكن ان يدره على القراصنة من مرابيح واموال قد لا تكون وجهتها بالضرورة الى بيوت المساكين والفقراء والمهجرين في الصومال كما كان الحال مع بعض القصص الخرافية... ومع ان اخبار خطف السفن في منطقة القرن الافريقي يكاد يكون حدثا يوميا فان اختطاف السفينة السعودية التي تعادل في حجمها ثلاث مرات حجم ناقلة طائرات امريكية يعد الحدث الاكثر جراة حتى الان وقد جاء ليحرك المجتمع الدولي ويدعوه الى دق اجراس الخطر وليعيد الى السطح احدى المخاطر الامنية الدولية المنسية ويذكر بان البحث على اعتماد الحل الاسهل والمتمثل في تغيير مسالك السفن البحرية سوف يعني بالضرورة تمديد الرحلات والمزيد من كميات الطاقة وتكاليف الشحن ولا يمكن باي حال من الاحوال الا ان يكون حلا مؤقتا ومحاولة للهروب الى الامام. اخبار القرصنة والتي لا تقل خطورة ايضا عن اخبار خطف الافراد من السياح او غيرهم من نيجيريا الى الصحراء المصرية او غيرها والتي تعود بكثافة في هذا العقد الاول من القرن الواحد والعشرين لتزيح الستار عن احدى اسوا واعقد القضايا العالقة وتعيد الى السطح تعقيدات الازمة المنسية في الصومال منذ اكثرمن عقدين وهي ازمة سياسية انسانية مزدوجة بكل ما تعنيه من غياب للسلطة وللامن والاستقرار وانتشارلحالة الفوضى وانسداد الافاق والخوف والترهيب والفقر والخصاصة وتوفر السلاح الذي فاق توفر الخبز بين الناس في بلد لا يتجاوز معدل الحياة فيه ستة واربعين عاما ويموت ربع اطفاله قبل بلوغهم سن الخامسة رغم الثروة السمكية التي تزخر بها السواحل الصومالية... والحقيقة ايضا ان المشهد الصومالي الغارق في تعقيداته الخطيرة وتداعياته على كامل المنطقة قد تحول الى مختبر مفتوح للعنف وتغذية اسباب الارهاب التي وجدت في الغارات الجوية التي تستهدف المتشددين ما يعزز الانتقام والاحقاد ويبرر المساعي لعمليات الاخذ بالثار واستهداف جهود اعمال الاغاثة على الارض... وفي انتظار ما يمكن ان تؤول اليه تطورات الاحداث فان الارجح ان المشهد الصومالي لن يتغير بتامين سلامة السفينة السعودية واطلاق سراح الرهائن والمحتجزين والارجح ان صفارات الانذار المدوية بشان تفاقم مخاطر القرصنة ستعود لتدوي مجددا طالما ظلت الارضية مهيئة لنشاطاتها على السواحل الصومالية...