يبدو أن الخطوط الحمراء الموجودة في إسرائيل والتي تحجج بها أولمرت ليبرر الموافقة على صفقة تبادل الأسرى مع الفلسطينيين ليست في محلها كما يقتضي المنطق لأن تلك الخطوط اختفت في سلسلة من الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية المتناقضة كليا مع القوانين والشرعية الدولية. وانطلاقا من هذا الرفض يمكن القول أن الحكومة الإسرائيلية رفضت في أيامها الأخيرة تحمل مسؤولية الرضوخ لمطالب حركة "حماس" بل إن أولمرت نفسه جدد القول بأن إسرائيل لم تخسر حربا حتى ترضخ بهذا الشكل الذي من شأنه أن يعني فشل العدوان على غزة في تحقيق أهدافه وسقوط إسرائيل في الفخ بعد الضجة الدولية التي أعقبت جرائم الحرب ضد أهالي قطاع غزة. ومهما أعطى رئيس الحكومة المستقيل من تعلات فإنه رغم خطوطه الحمراء- لن يجعل إسرائيل تحفظ ماء الوجه لأن الحرب على غزة فشلت حتى في تحرير الجندي الأسير، بل أكثر من ذلك مكنت حركة "حماس" من تأكيد وجودها كطرف فلسطيني يتعين أخذه بعين الاعتبار في أي تحرك يتعلق بالشأن الفلسطيني في سياق إقليمي جديد سمته استعداد الإدارة الامريكية لفتح قنوات حوار مع إيران والاتصالات التي تجريها الحكومة البريطانية مع "حزب الله" اللبناني وهو ما يؤكد مكانة "حماس" مستقبلا في أية معادلة. لقد أخطأ أولمرت بإصراره على عدد الأسرى الفلسطينيين الذين يمكن الإفراج عنهم كما أخطأ باشتراطه إبعاد عدد منهم إلى غزة أو إلى الخارج وهو أمر لا يمكن فهمه حتى من قبل عائلة الجندي المختطف التي ألحت على الإفراج عنه وربما رأت في الصفقة فرصة لإطلاق سراحه ولكن التشدد في هذا الملف يرمي إلى عدم الظهور بموقف الضعف أما الرأي العام الإسرائيلي الذي اختار في الانتخابات الأخيرة الانحياز الى التطرف بما يجعل حصيلة تلك الحكومة هزيلة جدا. ولعل السؤال المطروح حاليا هو: هل ستنجح الحكومة المقبلة برئاسة ناتنياهو في الإفراج عن الجندي أم أنها ستفضل استعمال القوة لتحريره؟ لقد اتضح أن الجندي المختطف لم يكن سوى تعلة وبالتالي فالحكومة المقبلة التي لا يختلف المراقبون في تشددها وتطرفها لن تكون سوى امتداد لحكومة أولمرت بل ربما تحاول تدارك ما فشلت فيه هذه الأخيرة. ستكشف الأسابيع المقبلة الكثير عن توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة خصوصا مدى استخلاصها للدرس واستعدادها للتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية رغم أن كل الدلائل وتحديدا تحالف ناتنياهو مع ليبرمان تشير الى مزيد من التطرف والتعنت والحروب إذا بقيت الخطوط الحمراء على حالها في إسرائيل.