تونس الصباح: من جنون البقر الى اللسان الأزرق، الى انفلونزا الطيور وصولا الى انفلونزا الخنازير.. وما يدرينا بماذا ستجود علينا الفترات القادمة من تشكيلات فيروسية جديدة تهدد سلامة الانسان والحيوان معا.. وذلك في ظل تكاثر وتنوع الأمراض الحيوانية المصدر التي تصيب بني البشر.. وآخرها فيروس H1N1 الذي وإن تنفي التقارير والآراء العلمية الرائجة حاليا علاقته بالخنزير، مبرئة إياه من هذه التهمة، فإن تقارير طبية سابقة أقرت ذلك وربطت بين هذا الحيوان والفيروس. الأستاذ نور الدين بن شهيدة رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء البياطرة له أيضا وجهة نظر في تفسير مصدر تسرب المرض وتطوره وهو ما وقفنا عليه خلال لقاء جمعنا به سعينا فيه الى استطلاع دور البياطرة عبر عمادتهم في معاضدة الجهود المبذولة لحماية حدودنا الداخلية من المرض وتوخي اليقظة التامة لمكافحته.. الى جانب تناول ظاهرة بروز الأمراض الحيوانية المنشإ في السنوات الأخيرة واستفحالها على الصعيد العالمي والتعرض الى أمهات المشاغل المطروحة داخل المهنة... الخنزير بريء! * استقبلكم مؤخرا وزير الفلاحة والموارد المائية صحبة اعضاء مكتب العمادة.. فهل يندرج اللقاء في اطار تفعيل مشاركة الأطباء البياطرة في المساعي الرامية الى التوقي من انفلونزا الخنازير.. وما هو الدور الموكول لعمادتكم لمعاضدة الخطط والبرامج التي أقرتها وزارتي الصحة والفلاحة؟ مقابلتنا مع وزير الفلاحة كانت بالأساس للتعريف بالتركيبة الجديدة التي أفرزتها انتخابات المجلس الوطني خلال جانفي المنقضي الى جانب اطلاع الوزير على مشاغل المهنة والانشطة المبرمجة.. وبالنسبة لفيروس «القريب» الذي أرفض تسميته بانفلونزا الخنازير لأن الفيروس أو العدوى لم ينقلها هذا الحيوان الى الانسان، وقد أثبت الخبراء والطرح العلمي هذا الرأي لتؤكد تضمن تركيبة هذا الفيروس الجديد A/H1N1 ثلاثة مكونات او جينات فيروسية صادرة عن الطيور الداجنة والبشر والخنزير، وبالتالي فان الانسان هو القادر على نقل عدوى الفيروس الى الخنازير ولم يثبت عكس ذلك الى الآن.. * ...حتى وان ذهبت التقارير الصحية العالمية عند اعلان انتشار المرض في المكسيك الى الاقرار بأن مصدره الرئيسي الخنازير؟ هذا يعود الى ظهور المرض في مراحله الأولى بمناطق بالمكسيك يكثر فيها تواجد الخنازير وتتميز بكثافة حركة التنقل بها وفرضية تسرب العدوى من الانسان الى الحيوان واردة، وإني مع ذلك أفضل تسميتها بالانفلونزا المكسيكية كما هو الشأن بالنسبة للانفلونزا الاسبانية التي ظهرت سابقا.. وهذا لا يعني أني أدافع عن «الحلوف» كما تعتقدين، بل أدافع عن حقائق علمية واقتصر بالتالي على تسميته العلمية A/H1N1 بحكم تطور مكونات الفيروس واحتوائها على مزيج من السلالات الفيروسية المتأتية من الانسان والطيور الداجنة والخنزير.. بين الخنزير المربى والبري * رغم محدودية عدد نقاط تربية الخنزير في بلادنا الموجه انتاجها للقطاع السياحي والمقيمين الأجانب فاننا نسأل عن مدى المراقبة والمتابعة للوضع الصحي بهذه المنشآت..؟ لا داعي للقلق فهذه المنشآت وعددها ثلاث بالمحرس ومرناق والقلعة الصغرى تعتمد أساليب تربية عصرية وتلتزم بالتراتيب الصحية المقرة ولا يتجاوز انتاجها السنوي من اللحوم نحو 500 طن.. مع الملاحظ أنه لا مجال للمقارنة بين ما تبثه وسائل الاعلام من مشاهد خاصة بتربية الخنزير في بعض الدول وبين طبيعة المراقبة والعناية في هذه النقاط لهذه الحيوانات خاصة على مستوى التغذية واعتماد المراقبة الصحية الدقيقة والصارمة داخل هذه المنشآت الصناعية المحمية ولم يسجل أي خلل أو اشكال.. * طيب، وماذا عن الخنزير البري خاصة أن بعض المواطنين يتساءلون عن المخاطر التي يمكن أن يسببها اقترابه من الأهالي ومن مقرات سكناهم في رحلة بحثه عن الطعام؟ رغم تواجد الخنزير الوحشي في عدد من المناطق فإن خطرها محدود ومع ذلك تتم في فترات معينة وعادة خلال فصل الخريف اللجوء الى فتح مواسم استثنائية للصيد خارج مواعيدها العادية للحد من تكاثرها.. ولا شك أن وزارة الفلاحة وعبر ادارتها المختصة على بيّنة من الأمر ومما يتعين اتخاذه من اجراء في هذا الشأن ثم لا بد من التأكيد مجددا بأن العدوى بهذا الصنف من الانفلونزا لا تنتقل من الحيوان الى الانسان، بل من الانسان الى الانسان. إلزامية التصريح بكل حالة مشبوهة * وماذا عن دور العمادة في كل هذا... كيف تساهمون من موقعكم في درء خطر انفلونزا الخنازير.. عفوا أقصد انفلونزا المكسيك؟ تشرف العمادة على كافة الأطباء البياطرة البالغ عددهم 1200 بيطري ينشط 40% منهم بالقطاع العمومي و60% بالقطاع الخاص وتتوفر لما بين 50 و60% من البياطرة الخواص عيادات خاصة متواجدة بكامل مناطق الجمهورية بما فيها المناطق الحدودية.. وفي هذا الاطار وسواء تعلق الأمر بانفلونزا المكسيك أو غيرها من الامراض فإن البيطري ملزم بالتصريح وجوبا بكل حالة أو مرض مشبوه فيه بصفة كتابية وآنية. هذا ويساهم البياطرة الخواص في اطار آلية التكليف الصحي في برامج وحملات التلاقيح الموسمية المعتادة وهكذا فان تدخلاتنا منتظمة ومحددة وليس لنا تدخل خصوصي في الوضع الراهن مادامت يقظتنا مستمرة في الزمان والمكان ولا تختص بظرف دون آخر.. ناهيك أن عدد منشآت تربية الخنزير ضئيلة.. مجرد سهو * خلافا لبقية الهياكل المهنية الصحية لم نلحظ حضور عمادة الأطباء البياطرة صلب اجتماعات لجنة اليقظة والترصد لمتابعة انفلونزا الخنازير.. رغم أن حضورها كان قارا عند التعاطي مع أزمة انفلونزا الطيور..؟ اعتقد أنها مجرد عملية سهو غير مقصود.. ليس إلا.. * نأتي الآن الى موضوع الامراض الحيوانية المصدر التي كثرت وتعددت في السنوات الأخيرة.. بماذا نفسر ذلك أستاذ بن شهيدة.. وماذا وراء بروزها بهذا الشكل المتواتر؟ تطور الأمراض قبل 20 سنة لم تكن وسائل وتقنيات تشخيص بهذه الدرجة المتقدمة من الدقة والتطور وبالتالي فإن عدة امراض كانت تفلت عن عين الرقيب وتظهر دون تحديدها أو معرفتها.. أما اليوم ومع تطور التقنيات ووسائل العمل تطورت بالتوازي عديد الامراض والفيروسات وتطورت التركيبة الجينية لهذه الفيروسات.. كما نلاحظ أن التدخل العلاجي لعديد الأمراض الحيوانية باستعمال الأدوية على نجاعتها ومقاومتها للآفات تم دون ترك آثارها في شكل رواسب يمكن أن تصل الى الانسان. مع الملاحظ أن الدواء ليس بيد البيطري في تونس خلافا لكل البلدان في العالم.. ومنذ عقود ونحن كعمادة نطالب بتمكين البيطري من حق التصرف في الصيدلية البيطرية ومحاسبته عن أية نسبة رواسب تظهرها التحاليل الصحية لاحقا باعتبار أن ترويج الدواء البيطري وفق مقادير معينة تتطلبها الحالات العلاجية يحمله مسؤولية المتابعة والتحري والتقليص من الرواسب وتقديم اشهاد حول سلامة أي منتوج تعود مراقبته الصحية الى البيطري قبل عملية الذبح.. الصيدلية البيطرية وإني أشدد على أهمية أن يمنح للأطباء البياطرة الحق في التصرف في الادوية البيطرية المضمنة بالقائمة المحددة لآجال الانتظار الواجب احترامها عند استعمال الدواء لضمان سلامته وخلوه من رواسب هذه الأدوية عند الاستهلاك.. كما تدعو العمادة الى تمكين البيطري من التزود بالدواء من مختلف الحلقات الساهرة على توزيعه من صيدلية مركزية وفروعها ولكن ايضا من مزودي الجملة تقريبا لهذه الخدمة من مستحقيها.. وتقترح كذلك اقرار مرونة أكبر عند اعداد طلبات العروض للتزود بتلاقيح بالنسبة للبياطرة العاملين بالقطاع الخاص لاسيما بالنسبة للتلاقيح الموجهة للدواجن باعتبار تطور التلاقيح في كل حين ومن المهم أن تتوفر للقطاع الخاص مرونة أكبر في اختيار اللقاحات المتطورة.. وضع مطمئن * على أبواب موسم الصيف والحر.. هل من أمراض حيوانية تثير مخاوفكم وتتطلب تأهبا خاصا لمراقبتها.. ولنخص بالذكر مرض اللسان الأزرق الذي يصيب الأغنام؟ اللسان الأزرق يظهر عادة في الخريف ولنا الوسائل الكفيلة بمواجهته.. والوضع يعتبر حاليا مطمئنا بخصوص المشهد الصحي الحيواني ولا وجود لأية اشكالات مطروحة في هذا المستوى ونقوم ببرامج التلاقيح المعتادة التي تستوجبها كل مرحلة مع مواصلة المراقبة واليقظة.. وربي يستر..