«قم للمعلم ووفّه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا»... «من علّمني حرفا صرت له عبدا»... كلمات لطالما ردّدتها الأجيال المتعاقبة احتراما وتقديرا لنبل وقداسة الرسالة التربوية والتعليمية التي يضطلع بها المعلم أو الأستاذ ولدورهما في نحت مستقبل الأوطان على درب التنمية والرقي الحضاري. لكن مع تقدّم الزمن وانقلاب المفاهيم والقيم رأسا على عقب تغيّرت تدريجيا تلك العلاقة العمودية الصارمة التي كانت تجمع الأستاذ بالتلميذ واتخذت اتجاها أفقيا «تشاركيّا» فقد بموجبه الأستاذ بعضا من سلطاته خاصة على الصعيد التربوي وتآكل ولو نسبيا جانب من «رأس ماله» الرمزي، بل أكثر من ذلك فالأستاذ اليوم أصبح في عديد الحالات عرضة للعنف اللفظي وحتى الجسدي من قبل تلاميذه والتي وصل بعضها إلى أروقة المحاكم مثلما حصل مؤخرا مع أستاذ يدرّس بأحد معاهد مدينة صفاقس عندما اتهمته تلميذة بالتحرّش بها. جالت هذه الخواطر في ذهني وأنا اكتشفت بمحض الصدفة ربما صفحة على الموقع الاجتماعي «الفايس بوك» على شبكة الأنترنات أنشأها تلاميذ يدرسون بأحد المعاهد العمومية بمدينة صفاقس تضم في عضويتها مئات الأصدقاء وضعوا فيها مقاطع مصوّرة بواسطة أجهزة هواتف جوالة تنقل الأجواء داخل المعهد بداية من التقليعة الجديدة التي انتشرت كالنار في الهشيم بين مختلف معاهدنا في السنوات الأخيرة ونعني بها «دخلة الباك سبور» -كما يسمونها- وما يصاحبها من شماريخ ولافتات عملاقة وأشرطة ورقية ممزقة وصياح هيستيري إلى الحد الذي تخال فيه نفسك في «فيراج» ملعب كرة قدم وليس في حرمة معهد ثانوي، وصولا إلى لقطات غريبة تحصل في القسم بحضور الأستاذ الذي يبدو من خلال تقاسيم وجهه المنشورة للعموم (دون إذنه طبعا) كمن لا حول له ولا قوة بل يبدو مثل سخرية واستهزاء... فهذا تلميذ يرفض الانصياع لأوامره بالخروج من القاعة وينخرط معه في نقاش حاد يتدخل على إثره زميله في محاولة «صلحيّة» وكأننا في «سوق ودلال» أطلقوا عليه عنوان «طرد استثنائي» )un renvoi exceptionnel( وفي مقطع آخر معركة تنشب بين مجموعة من التلاميذ في آخر القاعة أثناء إنجاز فرض العربية... هذا دون الحديث عن الحوارات المكتوبة التي تجمع بينهم يتناقلون من خلالها أخبار المعهد ويقيّمون الأساتذة بلغة مبتذلة وسوقيّة من قبيل «ملّى بروف».. وغيرها مما نستحي من ذكره. هكذا رأى هؤلاء التلاميذ طرق الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة (وما خفي كان أعظم) التي إن لم يتم التصدّي لها ستتحوّل بدورها إلى ظاهرة وسيصبح لكل معهد صفحة تحمل اسمه على «الفايس بوك».. عفوا كدت أن أنسى... بإمكانكم المشاركة في تقييم أجواء هذا المعهد «النموذجي» من خلال التصويت على يسار الصفحة عبر اختيار أحد الاقتراحات التالية كما كتبت: nuuuul-i3addirouhou-ça va-trés bonne؟!! أنور الغريبي للتعليق على هذا الموضوع: