الانباء القادمة من اليمن لا تنبئ بعودة قريبة للهدوء الى مناطق الصراع المستعر في اليمن السعيد بين القوات اليمنية وبين ما بات يعرف بالمتمردين الحوثيين والتي لا تكاد تهدا الا لتعود وتتاجج من جديد... والمشهد القادم من مملكة سبا ينذر بان اليمن يغرق في مستنقع لا يخلو من الخطورة وهو مستنقع قابل للتحول الى كارثة انسانية لا حدود لها طالما ان المدنيين وهم الفئة الاضعف في كل الصراعات والنزاعات المسلحة اول من يتحمل قسرا ثمنها من دمائهم وارواحهم وعلى حساب امنهم واستقرارهم بما يضطرهم لترك مواقعهم الاصلية والدخول في طابور اللاجئين والمشردين الباحثين عن مكان امن ياويهم من نيران وصواريخ المتقاتلين في بلد يملك ابناؤه من السلاح المتوفر في كل الاسواق الشعبية وفي كل الشوارع واسباب الاقتتال اكثر مما يمتلكون من اسباب الحياة ..ولا شك انه في ظل فشل مختلف الوساطات الفردية وفي ظل غياب دور عربي جدي وهو الامر الذي لم يعد بالغريب تبقى الساحة اليمنية مرشحة لتشكل جرحا داميا يضاف الى بقية الجروح التي تستنزف الجسد العربي وتنهكه وتسلبه القدرة على الفعل فيما يتعلق بقضاياه المصيرية ناهيك عن القضايا الاخرى... قد ينجح اليمن في القضاء على التمرد الحاصل في صعدة ولكن الاهم ان تنجح السلطات اليمنية في استئصال جذور الصراع واسبابه حتى لا تفاجا مجددا بعودته الى سطح الاحداث وهو ما يعني ان القضاء على التمرد يتجاوز حدود الحلول الامنية الى ما هو اعقد من ذلك وهو استئصال كل الاسباب والدوافع التي من شانها ان تدع بفئة من الشباب الذي غالبا ما تكشف الاحداث انه من خريجي الجامعات ومن حاملي الشهادات العليا الى حمل السلاح ضد السلطة في بلاده. ولعل في ملابسات عملية الاغتيال الفاشلة التي استهدفت قبل ايام مسؤول امني سعودي على يد احد "التائبين" من اعضاء القاعدة في اليمن ما يؤكد ان ابعاد معركة صعدة تتجاوز حدود المنطقة اليمنية وهي تعكس في طياتها واحدة من القضايا الساخنة التي طفت على سطح الاحداث بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر والحرب المعلنة على الارهاب وهي التهمة التي بات على العرب ان يثبتوها باي شكل من الاشكال... ولا شك انه بدخول الاممالمتحدة على خط الاحداث لتطالب بهدنة انسانية عاجلة لمواجهة احتياجات الاف السكان في صعدة اليمن يكون الصراع المستمر بين السلطات اليمنية وبين ما بات يعرف بمجموعات الحوثيين قد دخل منعرجا جديدا لتثير بذلك اكثر من نقطة استفهام لا بشان جذور الصراع فحسب ولكن ايضا بشان تداعياته السياسية والانسانية وابعاده المرتقبة في ظل تداخل الاحداث الحاصلة في المنطقة . واذا كانت السلطات اليمنية تصرفي ادارتها للمعركة على انها بصدد ممارسة سلطاتها المشروعة في التصدي لمجموعات مسلحة خطيرة على امن البلاد واستقراره فان الحوثيين وان ظلت اهدافهم ونواياهم غامضة فانهم يستمرون في تهديداتهم ويلوحون بحرب استنزاف طويلة رافعين معها راية "الجهاد"لاسيما بعد ان رفضت السلطات اليمنية عرضا للمتمردين بوقف المعارك متمسكة في المقابل بشروطها السابقةالتي حددتها لاعلان الهدنة وفقا للشروط الستة المعلنة في اتفاقية الدوحة. للاسبوع الرابع على التوالي تتواصل الاشتباكات المسلحة في منطقة صعدة على الحدود مع السعودية لتتسع رقعتها مع دخول قبائل يمنية على خط المواجهات رغبة منها في نصرة الحوثيين بما ينذر بتحولها الى حرب اهلية طاحنة على ارضية مهيأة سلفا لكل الاحتمالات والتطورات والتعقيدات امام تعدد المخاطر القائمة من التمرد في الشمال الى الدعوات الانفصالية في الجنوب فضلا عن حالة الفقر المستشري والاوضاع الاجتماعية المتدنية في هذا البلد اليمن... وفي ظل التباين والتناقض الصارخ في الانباء القادمة من اليمن بين اصرار السلطات الرسمية على تاكيد تفوقها على المتمردين واقترابها من سحق مواقعهم وتدميرها وبين تكذيب جماعات الحوثي للانباء الرسمية ولجوئهم الى شبكات الانترنت ما ينفي الاخبار الرسمية ويضع حكومة صنعاء امام المزيد من الاحراجات في الداخل والخارج مع نشر المتمردين صورا لجنود اسرى وقعوا في قبضتهم بما يجعل الغموض سيد الموقف مع غياب وسائل الاعلام عن فصل جديد من اسوا فصول المعارك المستمرة في صنعاء اليمن منذ نحو اربع سنوات دون مؤشر واضح عن قرب نهايتها...