تونس الصباح يبدو أن زمن الغش عبر القصاصات الورقية «الفوسكوبي» في الامتحانات قد ولى وعوضتها وسائل تكنولوجية (الهاتف الجوال والبلوتوث) وتوجهت اهتمامات الطالب نحو «تطوير» تقنيات الغش الالكترونية، بما يستجيب «لتطلعاته» وتواكب الابتكارات الجديدة في الميدان. ويستخدم الهاتف الجوال في هذه العملية من أجل تخزين معلومات وتبادل الأجوبة عبر الرسائل القصيرة (SMS) خلال الامتحانات، اضافة الى البحث المباشر عن الأجوبة عبر الأنترنات. «محمد» طالب بكلية المنار حاز على صيت كبير داخل الأوساط الطلابية نتيجة تطويع آليات الغش الالكتروني وتطوير نجاعتها ليدخل هذا الابتكار ضمن أبرز فنيات وتقاليد الغش في الامتحانات. الحاجة أم الاختراع الآلية عبارة عن سماعة صغيرة الحجم ذات خيوط دقيقة جدا يراعى لونها لون شعر رأس مستخدمها، وتوضع هذه السماعة على الاذن بشكل خفي ويقع ربطها بالهاتف الجوال. وعن اجراءات عملية الغش يروي لنا أحد الطلبة المواكبين لهذا الابتكار أن انطلاق المخطط يبدأ بارسال أحد الطلبة بشكل خاطئ لقاعة الدرس المستهدفة لغاية اخراج ورقة الامتحان للأطراف المدبرة التي تعمل على حل الأسئلة وارسالها عبر الهاتف المحمول نحو الطالب المستفيد، سواء في شكل رسائل قصيرة أو عبر التلقين الحرفي. وبحكم غياب اجراءات التثبت من خروج ورقة الامتحان بهذه الطريقة فإن تفاصيل هذا المخطط تظل سرية للغاية لا يقدر على فكها إلا المتمرسون ويعجز الأساتذة المراقبون عن التفطن اليها. ورغم حرص المستفيدين على كل التفاصيل الدقيقة للعملية إلا أنها تظل مغامرة يخوضها الطالب الباحث عن أسهل الطرق للنجاح. مع الرواج الكبير الذي حصده ابتكار «محمد» انتقل المشروع الى طور التسويق التجاري بمبلغ يتراوح بين 3 و4 دنانير. الأستاذة الجامعية فريدة تؤكد أن ظاهرة الغش باستعمال الهاتف الجوال متفشية في الوسط الطلابي بشكل كبير رغم تحجير استعماله في الفصل والاحتياطات التي يتخذها الأستاذ المراقب. وأضافت أن الطالب يبتكر أساليب جديدة لتطوير آليات الغش الالكترونية والتي تتم في أغلب الأوقات بشكل جماعي وبتنسيق من اطراف خارج الحرم الجامعي يتميزون بمستوى تعليمي أرفع منهم. نعم لسحب الهاتف ولا للتفتيش وحسب المناشير الأساسية للمؤسسات التربوية والجامعية، فإن استعمال الهاتف الجوال في اجتياز الامتحانات سواء الدورية أو الرسمية يحجر بصفة نهائية، إلا أن الاشكال الذي يطرحه الطالب والتلميذ يتمثل في قانونية سحب الأستاذ للهاتف الجوال من مستعمله واخضاعه لعملية تفتيش، معتبرين أن ذلك يتعارض مع حرية المعطيات الشخصية. ولتوضيح هذا التجاذب في الآراء بين ما هو منصوص عليه في المناشير، وما يفرضه واقع التعامل مع الطالب والتلميذ يقول المحامي ادريس بن حسن أن ظاهرة تطبيق النصوص النظرية يحوم على كامل القطاعات، لأنه يصطدم في الأغلب بالواقع الذي تحركه علاقات وأطراف ليس بالضرورة تجمعك بهم نقاط مشتركة. وأضاف أن صلوحية الاستاذ في هذه الوضعية تقف عند منع استعمال الهاتف الجوال وسحبه من الطالب ولا تتجاوز ذلك الى التفتيش حتى في حالة تلبس الطالب بعملية الغش، ويكتفي بالانذار الذي يضبطه القانون الداخلي للمعاهد والكليات. وحسب نصوص العقوبات التربوية فإن استعمال الهاتف الجوال كأداة غش في الامتحانات تنطبق عليها نفس عقوبة الغش التي يحددها المجلس العلمي للمؤسسة التربوية. ظاهرة عالمية عقوبة تقتصر على الاجراءات الردعية بطرد مدة شهر أو الحرمان من اجتياز دورات الامتحانات الموالية وهي لا تتطور الى مرحلة المتابعة الجزائية على غرار بعض البلدان العربية والأوروبية. ولا تقتصر هذه الظاهرة على بلدان دون غيرها، بل تمتد الى كل المجتمعات المتطورة والنامية، فحسب دراسة أمريكية أجرتها منظمة «كومون سانس ميديا» حول استخدام الطالب للهاتف الجوال والأنترنات للغش خلال الامتحانات المدرسية، صرح أكثر من نصف المستجوبين استعمالهم للأنترنات كوسيلة غش في الامتحانات، في حين أكد أكثر من ثلث المستجوبين استعمال الهاتف الجوال لنفس الغرض، كما عبر 65% من المستجوبين عن مواكبتهم لهذه الظاهرة داخل الوسط التربوي. دراسات ميدانية تفتقدها مؤسساتنا التربوية والجامعية حول ظواهر تفشت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وظلت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار وحبيسة المثل القائل «الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه»، فلم تعد عملية الغش في الامتحانات عن طريق الوسائل الحديثة حكرا على الطلبة، بل شملت الوسط التلمذي نتيجة اتساع قاعدة مستخدميها من كل الأعمار (الابتدائي والثانوي).