تونس-الصباح :تسع سنوات مرت منذ انطلاق البرنامج الرئاسي للحاسوب العائلي، إلا أن حصيلة الحواسيب المسوقة خلال هذه الفترة تبرز أن الإقبال عليها كان هزيلا. فوفق المعطيات المتوفرة فإن عدد الحواسيب التي تم تسويقها في إطار البرنامج الذي انطلق خلال سنة 2001، تناهز 79 ألف حاسوب إلى حدود 30 نوفمبر الماضي. أسباب عديدة تقف وراء هذا العزوف لعل من أبرزها تعدد الخيارات والتسهيلات أمام الأسر لاقتناء الحواسيب التي انخفضت أسعارها بشكل ملحوظ خلال السنتين الأخيرتين..
تم تمويل قرابة 90 بالمائة من الحواسيب المسوقة في إطار برنامج الحاسوب العائلي من قبل البنك التونسي للتضامن ولم تتجاوز القروض الميسرة الممنوحة من الصناديق الاجتماعية والبنوك ال10 آلاف قرض. ويندرج البرنامج الرئاسي للحاسوب العائلي في إطار ما أعلن عنه رئيس الدولة في خطابه بمناسبة الذكرى 13 للتحول قصد تمكين العائلات التونسية المتوسطة الدخل من إقتناء حاسوب عائلي (مكتبي أو محمول) يتم تمويله بقروض ميسرة من قبل البنك التونسي للتضامن، يتم ارجاعها خلال 12، أو 24، أو 36 شهرا، مجهزا بأدوات اتصال للنفاذ إلى شبكة الأنترنات. ويعكس الرقم الهزيل لعدد الحواسيب العائلية المسوقة في 9 سنوات عدم رغبة نسبة كبيرة من العائلات في اقتنائها رغم الحوافز والتسهيلات التي أقرت خلال البرنامج. علما أن كلفة الحاسوب المكتبي حددت ب700 دينار، والمحمول ب1200 دينار. تعدد الخيارات والتسهيلات من أبرز أسباب عزوف الأسر على اقتناء قروض الحواسيب العائلية هو تعدد الخيارات أمام الأسر لاقتناء حواسيب، إذ أن نسبة كبيرة من الأسر تفضل اقتناء حواسيب مباشرة من المؤسسات المسوقة دون اللجوء إلى قروض، كما وفرت التسهيلات العديدة في الدفع في تمويل اقتناء الحواسيب من قبل المزودين، أو من الفضاءات التجارية المختصة، أو المساحات التجارية الكبرى، التي أصبحت تنافس البنوك والصناديق الاجتماعية، على اعتبار أنها لا توظف نسب فائدة كبيرة.. انخفاض الأسعار وتنوع العروض وشجع احتداد المنافسة بين مختلف المصنعين لتقديم أفضل ما وجد على الساحة من حواسيب متطورة، والانخفاض الملحوظ في أسعارها خلال السنتين الأخيرتين، (أدنى سعر للحاسوب المكتبي يصل حاليا إلى 600 دينار، والمحمول إلى قرابة ألف دينار)، على تفضيل معظم الأفراد والأسر اقتناء بعض الماركات العالمية المعروفة دون غيرها، ربما بسبب ما توفره من تطبيقات إعلامية حديثة، وبرمجيات قد لا تكون بالضرورة متوفرة في الحاسوب العائلي.. وحسب الأرقام المتوفرة فإن توزيع الحواسيب العائلية حسب المناطق يبرز أن العائلات بجهات الشمال الشرقي، والوسط الشرقي حازت على قرابة 60 بالمائة من الأجهزة المسوقة. كما تبرز الإحصائيات أن السنة الأولى من تنفيذ البرنامج شهدت لوحدها تسويق قرابة 25 بالمائة من الحواسيب العائلية. انخفاض الإقبال على الحاسوب العائلي لكن نسبة الحواسيب العائلية المباعة انحدرت خلال الفترة من 2002 إلى 2004 بمعدل 5500 حاسوب، وذلك بسبب عدة نقائص بكراس شروط تسويق الحواسيب المعنية من قبل المزودين. من بينها عدم التنصيص على الزام المزودين بشروط المطابقة للمواصفات.. وهو سبب آخر ساهم خلال المرحلة الأولى من البرنامج في حصول حالة من عدم الثقة في الحواسيب المسوقة خلال تلك المرحلة، وبالتالي تراجع الإقبال على اقتنائها. وسجلت مبيعات الحواسيب العائلية ارتفاعا طفيفا بداية من سنة 2005، وهي سنة المرحلة الثانية من البرنامج التي شهدت ادخال تعديلات على كراس شروط توزيع الحواسيب العائلية بمعدل 8500 حاسوب إلى سنة 2007. لكنها عادت للانخفاض بداية من 2006 وحتى سنة 2009 لتستقر بمعدل 5200 حاسوب مسوق سنويا.. نسبة استخلاص 85 بالمائة وقد استفدنا من مصدر مسؤول من البنك التونسي للتضامن أن نسبة استخلاص قروض الحواسيب العائلية تقارب جمليا 85 بالمائة، وهي نسبة تشمل المرحلتين الأولى والثانية من البرنامج. علما أن البنك لجأ إلى القيام بإجراءات للتعرف على المتخلفين عن سداد قروض الحواسيب المكتبية المسوقة خاصة خلال الفترة الأولى من تنفيذ البرنامج على اعتبار أن تلك المرحلة شهدت الاعتماد على نظام الإحالة على الأجور عند الموافقة على اسناد القروض مما ولد صعوبات عند القيام بعملية الاستخلاص. وقد نجح البنك فعلا في التعرف على نسبة كبيرة من المتخلفين عن سداد القروض، علما أن خطايا التأخير الموظفة على القروض غير المسددة تبلغ 7 بالمائة سنويا عن مبلغ القرض، يضاف إليها 5 بالمائة نسبة فائدة موظفة سنويا على القرض. 11 حاسوبا لكل 100 عائلة ورغم ضعف اقبال العائلات التونسية على اقتناء الحاسوب العائلي، إلا أن مؤشرات أخرى تبرز أن تطورا ايجابيا في علاقة الأسرة التونسية مع الإعلامية والانترنيت، إذ تطور مؤشر عدد الحواسيب لكل عائلة من 9 سنة 2008، إلى قرابة 11 حاسوبا لكل 100 عائلة. كما ارتفعت نسبة الأسر المجهزة بحاسوب إلى 13,1 بالمائة خلال سنة 2008. علما وأن العدد الجملي للحواسيب في تونس فاق 1,1 مليون حاسوب. لكن هذا الرقم يضم العدد الجملي للحواسيب العائلية، والحواسيب الشخصية المهنية، والحواسيب الموجودة بالمؤسسات العمومية والخاصة.. تحويرات شاملة لكراس الشروط تجدر الإشارة إلى أن المرحلة الثانية من برنامج الحاسوب العائلي التي انطلقت خلال أكتوبر 2005، شهدت إدخال تحويرات بكراس الشروط لمزودي الحاسوب العائلي منها إحداث لجنة تتولى متابعة إلتزامات المصنعين الموردين ووكلائهم منها وضع موقع واب على ذمة الحرفاء، بالنسبة لكل مشارك، يعرّف بالمؤسسة وبشبكة التوزيع وبالمنتوج باعتبار مختلف مكوناته وخدمات المساعدة الفنية.. وتم الزام المزودين بتوفير شبكة توزيع لتغطية جميع ولايات الجمهورية، وتوفير ما يمكن الحرفاء من الاتصال به عبر مركز نداء أو خط أخضر أو عبر البريد الإلكتروني للاستجابة لتساؤلات الحرفاء. مع قبول المزود طيلة مدة الضمان بتحمل نفقات النقل من نقطة التمثيل والإصلاح وتغيير قطع الغيار وإعادة تثبيت البرمجيات طيلة فترة الضمان، والتعهد بتوفير الوسائل الكفيلة بتشخيص وسائل الخلل وذلك على جميع نقاط التمثيل.. فضلا عن اشتراط مطابقة الحواسيب المسوقة لمواصفات الجودة 2000 ISO 9001- والسلامة الكهربائية للمعدات، والمطابقة الإلكترومغناطيسية. كما قامت الإدارة المكلفة بمتابعة البرنامج بنشر موقع واب يمكن من التعريف بالبرنامج والربط مع موقع واب للمزودين، والترفيع في سقف الدخل العائلي إلى ست مرات من الأجر الأدنى الصناعي المضمون للإنتفاع بقرض من البنك التونسي للتضامن، فضلا عن توسيع برنامج القروض لاقتناء الحواسيب بما يضمن عدد المنتفعين بهذا الإجراء. وتم تمكين أعوان المؤسسات والمنشآت العمومية من قروض عن طريق صناديقها الاجتماعية لاقتناء حواسيب بشروط ميسرة، وتركيز خط أخضر للإحاطة وتقبل شكاوى المواطنين في المجال، ومراجعة دورية كل 3 أشهر المواصفات الفنية للحاسوب، مع احتفاظ السلطة المختصة بحق القيام بمختلف العمليات المتعلقة بالمراقبة وخاصة منها الفحص الفني التي تراها صالحة للمعدات الموردة أو المركبة محليا من قبل مصالحها الفنية المختصة أو عن طريق مكاتب مراقبة مفوضة للغرض. وتم اضافة تجهيزات جديدة للبرمجيات الأساسية للحواسيب العائلية على غرار نظام تشغيل يمكن من استعمال الأحرف الأبجدية العربية واللاتينية، واق من الفيروسات واق من الاختراقات... مع توفير جميع البرمجيات الخاصة بتشغيل كل الأجزاء المكونة للحاسوب، مع تكوين لساعتين في الانترنيت، وتوفيرعنوانين إلكترونيين، وبطاقة استغلال الأنترنات لمدة 10 ساعات جزافية تغطي تكاليف الهاتف.. تقييم البرنامج لكن ورغم كل ذلك فإن الاقبال على اقتناء الحاسوب العائلي ظل محتشما ودون المأمول. علما وأن نسبة الفائدة الموظفة على قرض اقتناء حاسوب عائلي تبلغ 5 بالمائة سنويا، وفي صورة عدم ارجاع القرض في المواعيد المحددة سلفا يتم تغريم المخالفين ب7 بالمائة فائدة توظف سنويا على المبلغ الجملي للقرض، بعنوان خطايا تأخير. وهو ما يدعو إلى التفكير في تقييم شامل لمردود البرنامج للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء ضعف الإقبال على اقتناء الحاسوب العائلي من جهة، وايجاد صيغ جديدة أو آليات تشجع الأسر على اقتنائه، وأيضا التفكير في مراجعة الفائدة الموظفة على القرض، ونسبة خطايا تأخير سداده..