حياة السايب لم يكن ما شاهدناه من مناظر مخجلة بميدان التحرير بالقاهرة، أبرز ساحات التحرك ضد النظام المصري القائم مجرد مواجهة بين موالين للنظام المصري ومحتجين عليه مثلما يسوّق النظام المصري لذلك بل مخططا لكتم أنفاس الثورة التي تتوسع يوما بعد يوم. بحيرات حمراء تكوّنت من دماء المصريين الذين احتشدوا بالمكان تعبيرا عن حقّ مشروع يتمثّل في الإعلان عن سحب الشرعية من حاكم رأوا أنه لم يعد يمثلهم بعد أن فتحت المنافذ لعصابات لم تستطع مختلف المصادر التثبت من هويتها إلا أن أغلبها تجتمع على أن للنظام المصري يدا في تحريكها والدفع بها إلى الحلبة بعد أن تزودت بالسلاح و»الركوبة «حسب استعمال أشقائنا المصريين. جمال وأحصنة ومشاهد مريعة ومحاولات تصرّ على تسويق صورة خاطئة عن الثورة المصرية تحسبا وخوفا من أن يكون مصيرها النجاح مثلما حدث مع الثورة التونسية. لم يكن المصريون المتظاهرون ووفق إجماع عدد من المصادر الإعلامية خاصة في الأيام والليالي الأخيرة سوى ضحية لعصابات يرجح أنها من خريجي السجون أو الفارين منه ( بفعل فاعل) أو لمن باعوا ذمتهم من أجهزة الأمن في محاولات يائسة لإجهاض الثورة. الأخبار شحيحة بما أن النظام المصري ضرب حصارا على مصادر الخبر منذ انطلاقة انتفاضة الشعب المصري قبل أيّام ولكنها كفيلة بأن تقدم لنا صورة واضحة حول تلك القطيعة بين الشعب الذي تحرر من مشاعر الخوف، الشعب الذي قطع بيديه أغلاله وانتفض ضد الأجهزة الأمنية التي عادة ما تكون آلة القتل والتعذيب التي تستعملها الأنظمة المستبدة والديكتاتورية وبين النظام الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة. مهم جدا أن تنجح الثورة في مصر اليوم وأن تفلت من الإستراتيجيات الجهنمية التي أعدها النظام البائد هناك والذي يحاول يائسا الا يعرف نفس مصير الحاكم الطاغية الذي أطاحت به الثورة الشعبية ببلادنا. مهم جدا أن تنجح الثورة في مصر لأن في نجاحها تعزيز لمكاسب الشعوب العربية بعد أن تحقق النصر في تونس. كانت ثورة تونس الشّرارة الأولى ولا نرى في نجاح الثورة المصرية إلاّ دعما لحظوظ الشعوب العربية التي لم تعد تؤمن بحكامها والشعوب المضطهدة عموما. مهم جدا أن تنجح الثورة الشعبية في مصر لأنّها ستقدم الدليل القاطع على أن الثورة التونسية ليست مجرد قوس فتح في تاريخ الشعوب المضطهدة كي يغلق قريبا. إنّ الثورة في تونس قد حررت الشعوب ومنحتها الثقة في نفسها وليس أمام هذه الشعوب اليوم إلاّ أن تأخذ زمام الأمور بنفسها. هذه الرسالة موجهة كذلك للدول الكبرى في العالم التي لم تكن تؤمن بالشعوب العربية والتي ما فتئت تدعم الديكتاتوريات لأنّها تخدم مصلحتها. إنّها رسالة لهذه القوى الكبرى التّي كانت تحصرنا في اختيارات قليلة وترانا أقلّ من أن نكون أهلا للديمقراطية وهي دعم للأمل الذّي افتتح في تونس ونتمنى أن تزهر الديمقراطية في كامل أرجاء البلدان التي تقودها أنظمة مستبدة بالحديد والنار. قلوبنا اليوم مع الشّعب المصري الأعزل الذّي يواجه بصدور عارية قوات الردة وجحافل الغدر سلاحه إيمانه بشرعيّة مطالبه. قلوبنا اليوم تخفق مع الشعب المصري الذي آمن بما حصل في تونس واختار أن يواصل المشروع التحريري العربي الذي انطلق في تونس ولن يرضى بأقل من أن يفرض كلمته. اليوم يحق للشعب المصري بعد أن دفع الثمن غاليا أن يقول أنه اقتلع حريته واسترد كرامته بأظافره. اليوم يزوّد الشعب المصري العالم بوثيقة جديدة حول صحوة ضمير الأمة بعد أن استبقه الشعب التونسي في ذلك بالأمس... فمرحبا بها صحوة مرغوبا فيها حتى وإن تأخرت كثيرا، ومرحبا بها خطوة مهمة على درب تحرير الشعوب من الرق والإسترقاق.