(:الفضائيات العربية فاجأتها بالثورات لا ينكر أحد وجود أجندات لأي فضائية في العالم رأى الاعلامي في قناة الحواراللندنية صالح لزرق ان الفضائيات التي من صلب عملها مراقبة حركة الشارع باستمراروتلمس نبضه ومشاكله، فوجئت كما فوجىء الجميع بهذه الثورات ، وتجلى ذلك في حالة من الإرباك في البداية مع هذه الثورات، وارتدت الفضائيات إلى معاقلها وإداراتها تبحث عن منهجية وأسلوب للتغطية . وأصناف في حديث ل «الأسبوعي» أن الإعلام الفضائي لعب دورا مهما في إنضاج حالة الوعي لدى الشعب العربي. مارأيكم في تغطية الفضائيات العربية للثورات الشعبية؟ -أتاح التوسع الذي شهده البث الفضائي التلفزيوني الفرصة لظهورقنوات تلفزيونية رصينة تهتم بتقديم جرعة متوازنة من المعرفة للمشاهد، وبخاصة في مجالات الأخباروالشؤون العامة والبرامج الاجتماعية والثقافية والتفاعلية ... ولا شك ان هذا الفضاء من المعرفة ساعد الجمهورفي المنطقة العربية على مواكبة التطورات والأحداث، والاطلاع على التجارب الثقافية والعلمية المفيدة بهدف بناء شخصية متوازنة للفرد ومتحررة من سياسات التوجيه أو التأطير الرسمية، وأسهم هذا الى حد ما في تمكينه من أن يكون عنصر بناء رصين في مسيرة التطور والنماء . ولا أشك أبدا ان الثورات العربية الحالية ، التي نجح بعضها في أزاحة انظمة قمعية ( تونس ومصر )، وتواصل أخرى ( اليمن ، ليبيا وسوريا ) على ذات الطريق كانت في خلاصتها نتاجا مباشرا لحالة الوعي في المنطقة ، والتي لا نبالغ اذا قلنا ان الإعلام الفضائي لعب دورا مهما في انضاج حاضناتها ، الى جانب بالطبع وسائل المعرفة والتثقيف الأخرى.لكن المثير ان هذه الفضائيات التي من صلب عملها مراقبة حركة الشارع باستمرار وتلمس نبضه ومشاكله، فوجئت كما فوجيء الجميع بهذه الثورات ، وتجلى ذلك في حالة من الإرباك في البداية مع هذه الثورات، وارتدت الفضائيات الى معاقلها وإداراتها تبحث عن منهجية واسلوب للتغطية تنصف المظلوم ولا تخل بالمهنية. وارتبك البعض في التسمية ، متى يكون وصف «الاحتجاجات» أدق ،ومتى يكون وصف « الثورة « أكثر دقة. والحق يقال ان هذه الفضائيات اولنقل العديد منها فوجىء بالثورات كما فوجىء السياسيون والمراقبون حول العالم. بدأ التعاطي حذرا مع الثورة التونسية في بداياتها ، وحاولت كل الفضائيات الحرص على التوازن وتقديم الضرورات المهنية على الحاجات الانسانية أحيانا ، وخصوصا عندما كانت تحرص بعض الفضائيات على استضافة الطرف الحكومي في وقت كانت فيه أعداد الضحايا في ازدياد، وكان المشهد واضحا : مواطنون أبرياء في مواجهة آلة قمعية لنظام مجرم .... أدخلتنا الثورات العربية حقبة جديدة بامتياز، ولكن بشكل مفاجىء وسريع ،، والارتباك الذي طال الفضائيات « المستقلة « في محاولتها التوازن في مرحلة لا تحتاج في الحقيقة سوى إظهارالحقيقة على الارض ، مهما كانت هذه الحقيقة تجرم طرفا وتبريء آخر. على ان الفضائيات الرسمية وهنا اتحدث عن تونس ومصر، فانها بالغت في الكذب وتزييف الحقائق ، وحاولت جاهدة شد المشاهد حتى لا يتأثر بتغطية الفضائيات الأخرى، وكان الفارق شاسعا بين فضائية مثل الحواروالجزيرة التي انحازت الى الناس ووصفت المشهد بما يناسبه ( ثورة الياسمين ، ثورة البوعزيزي ، الثورة التونسية .الخ ..) ، وبين فضائية تونس 7 الرسمية التي كانت تقلل من أعداد الضحايا وتتحدث عن إجراءات حكومية لتحسين الأوضاع هنا اوهناك وتوفيرآلاف مواطن الشغل خلال عامين ، فيما كانت الأجواء ملبدة بغيوم وغضب شعبي والدماء تسيل في مدن عدة امام قناصة لا يعرفون الرحمة .واقع لم تعد معه الماكنة الإعلامية الرسمية قادرة على مجاراة ما يجري ، وانتهى بإزاحة النظام وأدواته الإعلامية ،، وهو ذات المشهد الذي تكرر في مصرمع فوارق قليلة. اذن. كيف تفسرون ازدواجية التغطية بالنسبة لبعض الفضائيات العربية التي تعاملت مع التحركات الشعبية باعتبارها ثورات في بعض الدول ومؤامرات في دول أخرى؟ وهل لذلك علاقة بارتباطها باجندات خارجية؟ -لا توجد هناك مقاييس دقيقة للانتقال من استخدام مفردة « الاحتجاجات « في وصف ما يجري الى استخدام مفردة « ثورة «، والحقيقة أن هذا يعود الى تقييم ادارة التحرير والإعلاميين في اي فضائية وفقا لتطورات الأحداث. واذا كانت الفضائيات تأخرت في وصف الثورة التونسية ب»الثورة» الى ما بعد هروب بن علي ، فإن هذا الوصف ذاته « الثورة « طبع الاحتجاجات في مصر قبل مدة طويلة من رحيل مبارك وكان عنوانا بارزا على العديد من الفضائيات. وبشكل عام كانت تغطية الفضائيات لثورتي تونس ومصر، رغم الإرباك في البداية ، متوازنا وحاول تقريب الصورة للمشاهد قدرالإمكان. هذا دون ان نغفل حساسية وصعوبة المهمة في أنظمة شمولية لا تعرف مكانا للرأي الحر ولا تعطي بالا لمظالمه. ألم تكن تغطية الفضائيات العربية لهذه الثورات انطلاقا من دوافع سياسية وايديولوجية ؟ -لا ينكرأحد في مجال العمل الإعلامي ، والفضائي تحديدا، وجود أجندات لأي فضائية في العالم ، ولا سبيل الى وجود إعلام كالماء لا لون ولا طعم له ولا رائحة. لكن الفيصل هنا ان تكون هذه الأجندة لا تُخل بالمهنية ولا تناقض الوطنية وتنحاز دائما الى الناس والحقيقة. ومن هنا كان الانحياز إلى الناس في تونس ومصر سهلا على معظم الفضائيات ، باستثناء الفضائيات الرسمية التي انتظرت حتى بعد سقوط العروش لتعدل بوصلتها رويدا رويدا ، أو بعض الفضائيات ( المستقلة مثلا ) التي ظلت حتى قبل سقوط المخلوع بن علي بساعات وهي تتحدث عن بن علي بشيء من «الرأفة» وبان الحوارهو الحل فيما كانت الثورة تتقدم نحو وزارة الداخلية ، ولم تعدل من تغطياتها الا بعد تاكدها ان بن علي أضحى من الماضي. اجمالا : كانت تغطية الوضع في مصر وتونس أثناء الثورة موضوعية ومهنية الى حد كبير، مع ميل ظاهرالى جانب الناس، وهو أمرلا يخل بالمهنية انطلاقا من ان الإعلام يجب ان يكون صوت الناس ، وخصوصا في مثل هذه الاحداث. وبالنسبة للاحتجاجات في دول أخرى مثل البحرين وسوريا .فكيف تقيمها؟ ألم يكن هناك ازدواجية كبيرة في التغطية بالنسبة لبعض الفضائيات؟ -لكن مشهد الثورات في تونس ومصرالذي بدا خاليا من التعقيدات والعوامل الخارجية وتعاطى معه الإعلام بقدركبيرمن المهنية والموضوعية ، اختلف عنه عندما انتقلت الاحجاجات إلى البحرين ثم إلى سوريا وأقل منها في اليمن ، حيث دخلت عوامل أخرى الى اعتبارات بعض الفضائيات مما أثر سلبا على التغطية. ففي البحرين مثلا ركزت فضائيات مثل العالم والمنار وpress tv على تغطيتها وحاولت جاهدة اظهارها على انها ثورة لمقهورين ومظلومين واصحاب حق ، لكن فضائيات اخرى خليجية ترددت في تغطيتها او أفردت لها مساحات ضيقة في نشراتها ، وحاولت الدفع بالعامل الطائفي الى احتجاجات البحرين . والحقيقة ان دافع من دعم وبالغ في التغطية لاحتجاجات البحرين قد يكون على الأرجح طائفيا ، ولكن كذلك أيضا من حاول التقليل من حجم الاحتجاجات او تهميشها كان له أبعاد ذات مغزى طائفي ، وفي اعتقادي الشخصي ان دخول إيران على الخط ودعمها لاحتجاجات البحرين أثرسلبا في تعاطي الإعلام المحلي عموما مع تلك الاحتجاجات ايجابيا. بالانتقال الى سوريا التي انتقلت اليها الاحتجاجات لاحقا : بدا ايضا الارتباك والتناقض واضحا بين من يصف ما يجرى بالاحتجاجات او بالثورة وبين من يراها مؤامرة تطال دولة تحتضن وتؤيد المقاومة ، وانقسمت الفضائيات حول سوريا كما حصل الأمر مع البحرين ، ففي حين وقفت المنار مثلا واصفة ما يجري بالمؤامرة ، (وهو للمصادفة ذات الوصف الذي وصفت به الحكومة السورية الاحتاجات لديها )، حاولت فضائيات أخرى ، وأزعم ان الحوار من بينها : حاولت قدرالامكان تغطية ما يجري هناك بشيء من العمق والتوازن ، ولكن ليس بالانسياق والاندفاع ذاته الذي غطت به الأحداث في مصر وتونس ،، وقد يُفهم هذا من منطلق ان سوريا كانت يُنظرلها على الدوام انها قلعة للمقاومة ، ولا يمكن تجاهل ذلك او تجاوزه بسهولة. وبرأيكم .ما الذي ميز تغطية الفضائيات العربية عن الفضائيات الاجنبية؟ وإذا كانت وسائل الإعلام في المعسكرين الغربي أوالشرقي قد لعبت في الماضي دورالمحرك الرئيس للثورات، فإن الإعلام العربي في القرن الواحد والعشرين لا يشذ على القاعدة بتغطيته المسترسلة لأحداث الثورات العربية ، وهو في ذلك برأيي لا يخرج أبدا عن المهنية ، فالإعلام لا خير فيه ان لم يكن صوت الناس ونبضهم وملجأهم في الملمات والنوازل. أتفهم جيدا (وهو الواجب )أن ينقل الإعلام في عصرنا الحالي نبض الشارع ويفسح للفريقين المجال للتعبيرعن الرأي والرأي المخالف حتى في حالات الحروب والنزاعات ، كما أنني قد أتفهم انحياز الإعلام الرسمي للأنظمة، لكنه يصعب علينا كاعلاميين أن نفهم دخول وسائل إعلام تزعم بانها مستقلة ومهنية لتقف مع هذا النظام او ذاك ( أتحفظ على ذكر بعض الاسماء ) ، فاذا انهار هذا النظام انقلبت على عقبيها تبحث عن قارب الثورات لركوبه ،،، والمؤلم ان هذا حصل في أكثر من بلد عربي وحتى اجنبي. علني أختم هنا بالقول: أنني تابعت بانتباه قنوات ناطقة بالعربية عديدة وأخرى ناطقة باللغة الإنغلزية محاولا قراءة التمايز في الرسالة الإعلامية وتغطياتها خلال هذه الثورات العربية ، ووجدت (للأمانة) انحيازا من معظم القنوات العربية لحراك الشارع عموما، انحياز لا يخل بالمهنية في اعتقادي ، وان كان البعض نظرإلى هذا الانحياز على أنه وقوف مخل ينال من مهنية الفضائيات ، ولكن من يستطيع ان يكون مستقلا تماما في أحداث تجري على أرضه وفي بيته.