الموضوع يحتاج فعلا الى وقفة تأمل والى اعادة نظر, فالساحة الفنية التي أصبحت تتمتع بهامشها الضروري من حرية التعبير تحتاج مع كل هذا الى وقفة رجل واحد لتجسيد حرية فعل وتعبير مسؤولة, لا تزج بممارسها في المتاهات ولا تجعله محل نقد متواصل أو انتقاد متهاطل, و»الرّاب» الذي نال فرصته ليبرز أكثر هو المستهدف من تحقيقنا هذا اذ ما يحدث في فضائه يحتاج الى المراجعة. المختصون في هذا النمط الشبابي من التعبير يصنفونه اليوم الى «راب نظيف» وآخر « قذر» حسب تعبيرهم, والمقصود ب»الرّاب القذر» هو ذاك الذي لا يتوانى عن المسّ بأعراض الناس, يشتم ويسبّ ويلقي بأحكام ويحرّض على الفتنة والانشقاقات المتعددة, باسم الحرية وباسم الدفاع المستميت عن فكرة أومبدإ. ولعل الذي «يقترف» هذا الصنف من الغناء والتعبير يدرك في مجمل الحالات أنه سيلقى الصد والهجوم والاستهجان, ويوجد من يتحمل المسؤولية كاملة ويوجد من تجده يبحث عن المبررات ليفلت من المحاسبة وبينما يلقى شق آخر متعته في هذا الهجوم عليه, اذ يحقق شعبيته وشهرته التي لطالما حلم بها في وقت سابق ولم تتحقق. بين هذا وذاك نقف غير متفائلين بهذا الغد الفني اذا تعلق الأمر بالتحريض على القتل مثلا, و»بسيكو أم» الذي خلق هذا الصنف من الأغنيات التي تدافع عن فكرة هو أول المستهدفين في هذا الفترة, فسابقا انتقد بعض المنشطين والفنانين وكلفه ذلك تتبعا قضائيا واليوم هو يواصل في النهج نفسه ويقدم نغما ينتقد فيه فيلم النوري بوزيد «مايكينغ أوف» ولكنه يتخطّى خط النقد الى التحريض على معاقبة المخرج لأن أفكاره لا تروق لهذا الشاب. مغنّ آخر يدعى «دي جي كوستا» هو الآخر يختار منهج التهجم على الشخصيات المعروفة ولكنه يقر أنه يفعل ذلك متعمدا لينال حظا من الالتفاف والنجومية, وفي كلتا الحالات يبقى بعض ما ينتجه هذان الشابان في حاجة الى المراجعة وربما التوجيه. «كلاشينكوف» بسيكو أم» «الحرب النفسية» هو عنوان الأغنية التي أنتجها «بسيكو أم» سنة 2007 كرد فعل منه حول ما جاء في فيلم «مايكينغ أوف» للنوري بوزيد, واستعمل هذا الفنان مفردة «كلاشينكوف» في الأغنية المذكورة وقال أنه قدم موقفا جليا مما يحاول بوزيد تسريبه من أفكار تسيء الى الدين الاسلامي, وأضاف محدثنا وهو يدافع عن هذا النغم «أنا أتحمل مسؤوليتي كاملة في كل ماجاء من معان في أغنية «الحرب النفسية», اذ من حق النوري بوزيد أن يعبر عن أفكار واضحة أو مبطنة في فيلمه ومن حقي كمغني «راب» حر أن أنقد هذه الأفكار وأدافع عن بعض القيم الأخلاقية وأن أدافع عن الدين الاسلامي الذي لا يجب أن يمسّ بتلك الطريقة باسم حرية التعبير, ولا أجد احراجا في استعمال مفردة «كلاش» لأن لها دلالات في أغاني «الرّاب» وهي تعني أساسا الهجوم أو النقد عبر «الراب», ولا أدري لماذا تفطن البعض الى هذا النغم الآن فيما مرّت 4 سنوات على صدور الأغنية, فالواقع أن البعض يريد انتقادي والركوب على الحدث بأية طريقة». سألته ان كان ينوي الاستفادة من مستشار خاص يختار معه مواضيع أغنياته ويحاول توجيهه بعد كل الانتقاد الذي يلقاه وبعد أن اختار بعض الفنانين تتبعه قضائيا نتيجة ما قدمه في بعض أغانيه الجريئة من نقد اعتبره البعض مسّا بالأعراض أو قدحا فأجاب: «لا أنوي ذلك وسأتابع الكتابة لنفسي والدفاع عن أفكاري، لست متطرفا في أفكاري بل انتقدت التطرف لدى الاسلاميين كذلك نقدت التطرف لدى بعض العلمانيين لأنني أدعو الى احترام المسلم للملحد كذلك أن يحترم الملحد المسلم وأن يصلا الى طرق تعايش تضمن لكلينا كرامة العيش». وأضاف: «أغانيّ تتجاوز موضوع الدين وتتنوع المواضيع التي أخوض فيها, فقد غنيت عن البطالة وعن الفساد السياسي فلماذا يركزون فقط على هذا الموضوع ومن المستفيد من هذه الحملة التي تشنّ ضدّي في هذه الفترة, هذا السؤال يحيرني فعلا». المتقبّل ليس جاهلا.. وفي اجابة عن سؤال ان كان يعتقد أنه يستهدف نوعية واحدة من الجمهور القادر على استيعاب خطابه دون أن يرد الفعل بعنف, وهنا نحن نقصد الفئة الواعية والمعتدلة التي تقدر على نقد مضمون الأغاني والتفاعل معها دون انفعال مبالغ فيه قال «المتقبل هو أكثر وعيا من أولئك الذين انتقدت تصرفاتهم وما يحاولون بثه من أفكار مسيئة للدين وللعادات والتقاليد, وشخصيا لديّ ثقة كبيرة في هذا المتقبل وأدرك أنه يفهم جيدا ما أريد قوله.» وعي منقوص.. ويرى مغني «الراب» «مهدي أر تو أم « أن بعض ما يغنّيه «بسيكو أم « يفتقر فعلا الى الوعي وأنه عليه أن يتحرّى أكثر في المواضيع وطريقة طرحها دون المس من الأعراض أو دون أن يحرّض على معاقبة كل من يختلف معه في التفكير, فليس من أهداف «الراب» أن يخلق كل هذه الانشقاقات والهجوم المتواصل على الأشخاص دون احترام لما يؤمنون به من أفكار وأضاف مهدي «أحترم «بسيكو أم» كثيرا وأرجو أن يتراجع عن بعض ما يخوض فيه من أفكار فيها جرأة تبقى محل مراجعة, اذ يمكن أن نكون أكثر صدقا مع ما نقدمه دون أن نحرّض على العنف مثلا». وأفاد «وجدي ماسكوت» في هذا الاطار «هناك تناقض بين ما يصرح به «بسيكو أم» من أفكار معتدلة وبين ما نستمع اليه في أغنياته وكأن الذي يتكلم ليس نفسه الذي يفعل, فهو يقول أنه ضد التطرف الديني ولكن بعض أغانيه معبرة عن تطرف حقيقي وهذا ما لا أفهمه في شخصية هذا الشاب الذي أحترمه كثيرا ولكني أنصحه في كل لقاء لي معه بأن يعيد النظر في بعض التوجهات الغنائية ولا أدري ان كان يستفيد من نصائحي أم لا، خاصة أنه يتعرّض الى حملات متتالية في هذه الفترة والسبب مضمون بعض ما يغني وأذكر أغنية «الحرب النفسية» الذي كان تحريضه فيها على معاقبة كل من يبدي رأيا في الدين واضحة, فهل يعقل أن نتعامل بهذه الطريقة مع كل من يختلف عنا في أفكاره أو معتقداته؟" وأضاف محدثنا:"علينا أن نحسن استغلال هامش الحرية الذي نتمتع به كمغنّي "راب" لننتج أغان واعية بخطورة هذه المرحلة من تاريخ تونس, فالوطن وازدهاره هو هدف مشترك بين كل الفنانين على اختلاف مذاهبهم وهذا ما يجب ألا نهمله كهدف أساسي لنتقدم".