فوجئ الكثير من التونسيين ممن تابعوا برنامج «كلمات متقاطعة» الذي تم بثه يوم الاثنين المنقضي على القناة الفرنسية الثانية، بموقف السيدة سهير بلحسن، رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، عندما طالبت فرنسا «بالتدخل في جنوب البحر الابيض المتوسط لحماية العلمانية»، في اشارة الى المخاوف من حكم حركة النهضة وتهديدها المكاسب الحداثية للبلاد، حسب زعمها.. الغريب في الأمر، ان وزير الخارجية الفرنسي السابق، هوبير فدرين، نأى بنفسه عن هذه الدعوة، وأجاب الحقوقية التونسية بأن الامر يتعلق بالشأن التونسي، قائلا لها «إن تونس ليست محمية فرنسية»، لكن السيدة سهير اعتبرت هذا التدخل جزءا من الاستحقاقات الفرنسية مع تونس، بموجب اتفاقية الشراكة التي تربط البلدين منذ العام 1995.. وإذا كان من حق السيدة بلحسن، التي لا يشك اثنان في نضالها الحقوقي، التعبير عن رأيها وموقفها بحرية بخصوص حركة النهضة ومقارباتها ومواقفها وخياراتها، فان الذي ليس من حقها ولا من «صلاحياتها»، التحدث باسم الشعب التونسي أولا، ومطالبة فرنسا بالتدخل في شأن تونسي صرف، من غير المقبول اطلاقا، لا أخلاقيا ولا سياسيا، ولا حتى بموجب اتفاق الشراكة مع أوروبا، «استباحة» حشر أنف الفرنسيين في أمر هو من مشمولات التونسيين، فضلا عن كونه، من خيارات الشعب التونسي، التي أفرزتها انتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطية شاهدها العالم، ولم يطعن فيها مراقبون من الداخل او من الخارج، اذا استثنينا الطعون العادية التي هي من أنظار القضاء حاليا.. ولاشك ان دعوة رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، بالتدخل الفرنسي في شأن تونسي، ترتقي من الناحية القانونية الى شكل من اشكال التآمر على الشعب التونسي وعلى الدولة التونسية. فهل أن السيدة سهير بلحسن، تعتبر تونس «حديقة خلفية» لفرنسا، حتى لا نقول «مستعمرة» فرنسية، مما قد يسوغ لها هذه الدعوة الصريحة بالتدخل في الشأن الداخلي لبلادنا؟ وهل تعتقد ان حركة النهضة، وان فازت بأغلبية مقاعد المجلس الوطني التأسيسي، ستكون لها اليد الطولى لادارة البلاد بمفردها؟ إن هذا التصريح السافر والأرعن في حق تونس والتونسيين، يستوجب اعتذارا من رئيسة الفيدالية الدولية لحقوق الانسان للشعب التونسي، ولنخبه وطبقته السياسية بشتى مكوناتها وأطيافها، لأن في ذلك اهانة واضحة للتونسيين، واستنقاصا من قيمتهم وذكائهم وكرامتهم، وقبل ذلك وبعده، مسا» من خيارهم الحرّ الذي عبروا عنه عبر صندوق الاقتراع.. لكن تصريحات السيدة سهير بلحسن، ليست سوى ورقة في ملف «التجييش» الذي تقوم به بعض الاوساط حاليا، والذي لا يعني سوى ارباك الوضع التونسي، وربما إدخاله في حالة من الفوضى، لا نعلم من سيكون المستفيد منها.. يبدو هذا واضحا في دعوات الاضراب التي نسمعها اليوم في قطاعات عديدة، بل في تحريض البعض من «المراقبين» والاعلاميين على اضراب الشركات الكبرى، مثل النقل والميترو والسكك الحديدية، كما يتضح هذا التجييش من «تسونامي الحريات» التي نزلت اليوم على البعض دفعة واحدة، بعد ان كان الصمت أيام الرئيس المخلوع، هو «البضاعة السائدة» لدى هؤلاء رغم كل الفظاعات التي ارتكبها، والتي كان الجميع بمن في ذلك السيدة بلحسن يعرفها ويملك ملفات بشأنها؟ ! ان القرار التونسي لا يمكن ارتهانه لاية دولة أو طرف سواء في الشرق أو في الغرب، فالثورة ومن بعدها الانتخابات إنما قامت في المحصلة الأخيرة، من أجل جعل السيادة التونسية والقرار السياسي التونسي، والخيار الشعبي، «خطا أحمر» غير قابل للنقاش مهما كانت الاسباب والدواعي والظروف والتطورات !!