جاء في التقرير الصادر عن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة وتحديدا في الباب السادس الخاص بقطاع الاتصالات في فقرته الأولى تخصيص جانب لتوضيح جملة التجاوزات التي حصلت حول الصفقة المشار إليها ومدى التدخلات والتجاوزات التي حفت بهذه الصفقة. وقد أبرز تقرير اللجنة أنه تم نشر طلب إبداء رغبة حول العرض المشار إليه بتاريخ 20 سبتمبر 2008، وكانت قد تكونت على إثر طلب العرض لجنة بوزارة تكنولوجيات الاتصال، وذلك لمتابعة مشروع اختيار شريك استراتيجي في الغرض طبقا للنسبة المحددة إعلاه كنصيب له في رأس مال الشركة. وجاء في تقرير لجنة المتابعة أن 37 شركة كانت قد تقدمت لسحب ملف الدعوة، وتم يوم فتح الملفات لاختيار شريك استراتيجي الموافقة على 14 عرضا، إلى جانب اقتراح دعوة 3 آخرين بعد إتمام ملفاتهم. ومن جهة أخرى أبرز تقرير لجنة تقصي الحقائق، أن نسخة من مذكرة كانت قد رفعت إلى الرئيس المخلوع من قبل رئيس الدائرة الاقتصادية برئاسة الجمهورية، أفاد فيه أنه تم التخلي عن العروض الثلاثة التي تم إلحاقها بالمشاركين وذلك دون تبرير كاف للأسباب، وتم تحديد 6 مترشحين للنظر في ملفاتهم الخاصة بالصفقة. وضمن أبحاثها المجراة في هذا الملف، وما أحيط به من غموض خاصة في مجال شفافية اختيار الطرف المناسب كشريك، أبرزت التحريات أن المكلف بمأمورية بديوان وزير تكنولوجيات الاتصال (م.ب.)، والذي عين كمقرر للجنة المكلفة بمتابعة اختيار الشريك لاتصالات تونس، قد تم إبعاده من اللجنة في الوقت الذي اقترحت فيه هذه الأخيرة رفض ملف ترشح مجمع (تليكوم وديق) إلى جانب ملفي (سيتال ب. ف.) و(انفست كوم). وقد أدلى المكلف بمأمورية امام لجنة تقصي الحقائق بأنه قد رفع مذكرة أبدى فيها جملة ملاحظاته المتعلقة بجملة الملابسات التي حفت بتمكين مجمع (تلكوم وديق) من الترشح رغم عدم توفر الشروط الأساسية بملفه. ويستنتج مما سبق أن هذا المجمع لا تتوفر فيه شروط الشريك الاستراتيجي المؤهل، وبالرغم من ذلك أدرج بقائمة المترشحين المؤهلين بطريقة مخالفة لمقتضيات ملف الانتقاء، وذلك بقصد فسح المجال له للمشاركة في المرحلة الموالية المتعلقة بالانتقاء حسب أفضل العروض المالية. كما عاينت اللجنة أن العروض المذكورة أعلاه تستجيب لمقتضيات نظام طلب العروض باستثناء عرض فرانس تلكوم الذي جاء مجزءا. وأفرز هذا الترتيب بقاء عارضين اثنين هما (فيفندي انفرسل) و(تلكوم وديق)، لكن ودون أسباب مقنعة تم أيضا دعوة (فرانس تلكوم) على الرغم من إقصائها، ويبدو أن الرئيس المخلوع لم يبد أي اهتمام بهذا الموقف حيث دون فوق مراسلتها عبارة "اطلعت ويحفظ". ويستنتج مما سبق أن اختيار مجمع (تلكوم وديق) الإماراتي تم التمهيد له منذ مرحلة الانتقاء الأولى للمرشحين، حيث تم التأثير على النتائج التي توصلت لها لجنة الفرز. ولعل ما يثير الريبة أكثر بخصوص هذه الصفقة وما حصل فيها من تلاعب، خاصة في مستوى الجولة الثانية في انتقاء أفضل العروض المالية فإن التضارب كان واضحا ومفضوحا في المستوى الذي حصل بخصوص وضعية مؤسسة فرانس تليكوم حيث أثار هذا الجانب استغرابا لما تميز به من غموض لما يمس من مصداقية الصفقة عامة. ويستشف من الملابسات التي حفت بمسار اختيار مجمع (تلكوم وديق) الاماراتي للتفويت له في 35 بالمائة من رأس مال مؤسسة اتصالات تونس أنه حصلت تجاوزات للقواعد والأحكام الواردة، سواء بملف الانتقاء الأولي أو بنظام طلب العروض والخاصة بسير عملية اختيار الشريك الاستراتيجي. وقد كان جانب من التجاوزات جليا في أعلى مستوى من السلطة بالدولة، وقد يكون بغرض تحقيق منفعة مالية لطرف ما. ومن شأن تلك التجاوزات إلحاق أضرار مباشرة بمجال تكنولوجيات الاتصال بحرمان مؤسسة اتصالات تونس من شريك استراتيجي ذي شهرة عالمية، وبصفة غير مباشرة بسمعة الدولة التونسية في مجال الاستثمار الخارجي الذي تمت في إطاره عملية فتح رأس مال مؤسسة تونس للاتصالات، وتولت لجنة تقصي الحقائق إحالة ملف بشأنه على النيابة العمومية بتاريخ 13 جوان 2011.