في أولى الخطوات الملموسة للقطع مع عقلية ابتزاز المواطن وافتكاك اكبر قسط من موارده المالية والجور عليه نص مشروع قانون المالية لسنة 2012 على حذف معلوم الطابع الجبائي الموظف على السفر إلى الخارج والذي يقدر حاليا ب60 دينارا يدفعها كل من تخول له نفسه السفر، فقيرا كان أم غنيا. وهو معلوم مجحف وإجراء جائر اتخذه الوزير الاسبق محمد مزالي وأثقل به كاهل المواطن التونسي في ثمانينات القرن الماضي واستمر ساريا خلال حكم بن على الجائر بل وانضاف له كم هائل من الضرائب التي نرزح تحت ثقلها إلى يومنا هذا ( كل قدير وقدره). وقد كان من مطالب من ثاروا على نظام بن على التخفيف من عبء هذه الضرائب المشينة والقطع مع عقلية الأداء التي تخنق أصحاب الرواتب القارة وتضيق الخناق على الصناعيين والتجار والحرفيين ورؤساء الأموال الذين يرون ثمار جهودهم تستنزف بشتى الطرق وفي كل المناسبات. صحيح ان هذا الإجراء سيكلف الدولة سنويا خسارة حوالي 20 مليون دينار كانت تجنيها من بيع هذا الطابع الجبائي التعيس الذي يشعر المواطن التونسي بالذل والمهانة وبأنه يبتز حيث ما ولى وجهه إذ يجبر على أداء ضريبة كلما رغب في السفر.. ولكن السؤال الذي يطرح هل كانت هذه الأموال ترصد بالفعل لفائدة الالتزامات التنموية والاجتماعية لنتوقف عند إمكانية تعويضها لميزانية الدولة ؟ إن الطابع الجبائى الموظف على السفر إلى الخارج ضريبة تتنافى ومبدأ حرية تنقل الأفراد وترفع من كلفة السفر مهما كانت أسبابه وغاياته دون موجب ومن المنطقي بل من المعقول ان يتم إلغاؤها اليوم بعد ثورة 14 جانفي لتمكين اكبر عدد ممكن من التونسيين من السفر بمبالغ مالية محترمة تحفظ لهم كرامتهم بعد ما شهدته تونس من تحولات ترفع الرأس عاليا. ان إلغاء هذه الضريبة المخزية والمذلة للشعب التونسي يفيد اليوم بالذات فكرة القطع مع اختيارات الحكومات القديمة والنظامين الباليين ومع عقلية الأداء التي أصّلتها الحكومات المتعاقبة في تونس وجعلتها سيفا مسلطا على الرقاب حتى أصبح التونسي يعتبرها خطية غير مستحقة وثمنا لخدمة افتراضية لا يراها ولا يلمسها. ولعل هذه الخطوة الشجاعة التي يستحقها الشعب التونسي تشجع الحكومة - القادمة على أكثر من مهل - على إعادة النظر في قيمة وضرورة وإلزامية بقية الضرائب التي تستنزف ميزانية التونسي وحتى تكون بالفعل مقابل خدمة ما، لا حلا كلما احتاجت الحكومات إلى موارد مالية.