الزيادة في أجور القطاع الخاص: اتحاد الشغل يرفض التفاوض في الجانب المالي فقط    سيدي بوزيد: خطوة أولى نحو مستشفى ميداني بالمزونة في انتظار موافقة وزارة الصحة    أكثر من 1500 عامل في السياحة يطردون قبل إصلاحات قانون الشغل    نقابة الفلّاحين: أسعار ''علّوش'' العيد تصل الى 3 ملاين    قريبًا: إزالة محطة الاستخلاص بهذه المنطقة لتخفيف الضغط المروري خلال عيد الأضحى    منظمة إرشاد المستهلك: أسعار أضاحي العيد خيالية وتجاوزت المتفق عليه    انفجار هائل يهز مصنعا للكيماويات في الصين    5 مصابين في إطلاق نار داخل مركز تسوق بولاية أميركية    نابل: حريق يأتي على نحو 2.5 هكتار من حقول القمح في بوعرقوب    ثنائي النادي الافريقي لكرة اليد اسامة الرميكي وطه السماوي يعززصفوف اهلي طرابلس الليبي على سبيل الاعارة    نعيم السليتي يمدد عقده مع نادي الشمال القطري الى غاية 2027    عاجل/ بلاغ هام من وزراة التربية لتلاميذ البكالوريا..    طقس اليوم: ارتفاع في درجات الحرارة ورياح قوية بالسواحل الشمالية    السفارة الأمريكية بتونس تحتفي بذكرى ميلاد ابن خلدون    دعاء أول أيام ذي الحجة...أيام مباركة وفرصة للتقرب من الله    عاجل/ احتراق حافلة تابعة لشركة نقل تونس: اعفاء هذا المسؤول من مهامه..    برشلونة يمدد عقد الأمين جمال حتى 2031    عاجل/ اصدار بطاقات ايداع بالسجن في حق هؤولاء المسؤولين..    سلوك مقلق.. الذكاء الاصطناعي يهدد كل من يحاول إيقافه!    ترامب يصعّد: بوتين يلعب بالنار    مسرحية "وراك" لأوس إبراهيم… لعبة الوجود بين الوهم والحقيقة    رئيس النقابة التونسية للفلاحين: الأسعار تتراوح بين 700 دينار و3 آلاف دينار    تكريم الباحثة الكورية كريمة كيم بجائزة ابن خلدون 2025 لترجمتها "المقدمة" إلى اللغة الكورية    تونس تؤكد تمسّكها بتعزيز التعاون الإفريقي وتدعو إلى مقاربة جديدة للتكامل بين دول القارّة    توزر - مدنين: نجاح عمليتي قسطرة قلب عبر منصة نجدة الرقمية    قبل مواجهة تونس والبنين.. تصريح غريب للركراكي مدرب المغرب    بسبب فضيحة.. استقالة قاض في محاكمة وفاة مارادونا    حماس.. ما حدث برفح يؤكد فشل آلية المساعدات المشبوهة    أنس جابر تودع رولان غاروس من الدور الأول    في سابقة هي الأولى من نوعها: نجاح عمليتي قسطرة قلب عبر منصة 'نجدة' الرقمية    إلغاء المناولة في القطاع العمومي من بين محاور لقاء رئيس الجمهورية بوزير الشؤون الاجتماعية    عاجل: عيد الأضحى الجمعة 6 جوان في تونس    طقس الليلة    صادرات زيت الزيتون التونسي المعلّب سجلت ارتفاعا بنسبة 2 ر57 بالمائة حتى موفى افريل 2025    من 29 إلى 31 ماي : مهرجان جازيت لموسيقى الجاز العالميّة ينتظم في دورته الأولى.    عاجل/ أضاحي العيد: منظمة إرشاد المستهلك تحذّر..    بلجيكيا : مقتل شاب تونسي طعنا بسكين    عاجل: السعودية تُعلن الجمعة أوّل أيّام عيد الإضحى    عاجل/ هذه الدول تُعلن السبت 7 جوان أول أيام عيد الأضحى    مدنين: إقلاع رحلة حجيج الجهة الثانية والأخيرة من مطار جربة-جرجيس الدولي    ضبط شاب يزرع "الماريخوانا".. #خبر_عاجل    عاجل/ نسبة امتلاء السدود تتجاوز 41%    ب5 دنانير فقط: احجز مكانك لمتابعة نسور قرطاج ضدّ بوركينا فاسو في رادس!    قفصة: توفّر 59 ألفا و500 رأس من الأضاحي    خبراء لغة الجسد يفنّدون رواية ماكرون عن الصفعة التي تلقاها من زوجته    جمعية "المسعف الصغير" تنظم يوم الأحد المقبل الدورة الثانية من مهرجان أوسكار المسعف الصغير للأفلام القصيرة    الحماية المدنية تدعو إلى التقيد بإجراءات السلامة خلال رحلات التنزه    نحو اقامة نهائي بطولة الرابطة المحترفة الثانية في 3 او 4 جوان القادم بأحد ملاعب ولاية سوسة    خلال لقاء بين وزير السياحة وسفير سويسرا: الاتفاق على تنظيم ملتقى يجمع كافة الفاعلين في القطاع    اليوم تحري هلال ذو الحجة..    دراسة: الجلوس لفترات طويلة قد يسبّب الزهايمر    الكاف: استعدادا للامتحانات...حالة طوارئ لدى العائلات    5 نصائح لتلاميذ الباكالوريا من غير توتر ولا ضغط    الكوتش وليد زليلة يكتب... طفولة على حافة القلق: من يُنصت لمَا لا يُقال؟    توزر...الدورة الثانية ل«كتاتيب الجريد» إشعاع المستقبل    سيدي بوزيد...الملتقى الجهوي للكورال    بشرى سارة: انخفاض أسعار الأضاحي بهذه السوق..#خبر_عاجل    باردو... في مسابقة التلاميذ سفراء المتاحف والمعالم الأثرية.. تتويج التلميذتين إسلام السياري من باجة ونهر الوحيشي من المهدية    









من أجل التأسيس.. الحقيقي (2/2)
نشر في الصباح يوم 10 - 12 - 2011

بقلم: مصطفى البعزاوي بعد توقفه في الجزء الأول عند محورين الأول :» إجهاض مشروع النظام السياسي» و«الدولة النهضة وموسم حركات التحرر» يواصل صاحب المقال موضوعه عن التأسيس الحقيقي فيقول: إن استقلالية أي جهاز ليست في الاستقلالية عن الدولة والحكومة والمجتمع, وإلا لا معنى لأية حكومة ديمقراطية ذات مشروع وطني. فمن سيتبنى أهداف حكومة الثورة ويدافع عن اختيارات الصندوق؟ إن الاستقلالية تعني الاستقلالية عن الفساد والرشوة والمحسوبية والهواتف والتدخلات والمحاباة والانتماءات التي تدر المنافع الخاصة والعامة. الاستقلالية تعني أن يبادر الإعلامي, والمحامي والقاضي والإداري ورجل الأمن ورجل القمارك والعامل والمرأة والرجل إلى قلع ضرس أو أضراس الطمع وأن لا يتحول الانتهازي والنفعي إلى مشروع وزير أو مسؤول كبير في الدولة للاستفادة من الدولة.
إن الذين يلوحون بالخطر الأصولي والديني يجب أن يبصروا جيدا أن المسألة أعمق من صراع فكري أو سياسي لأن المجتمعات العربية دخلت فعلا في دورة تاريخية جديدة. فالنهضة- الظاهرة- فازت في تونس وفازت في ليبيا وفازت في المغرب وفازت في مصر وفازت في اليمن وستفوز في سوريا وستفوز في الجزائر وستفوز في باقي الدول العربية. وعلى الذين يتقنون فن التحليل ويقرؤون التاريخ من خلال الجدلية التاريخية أن يقفوا لحظة تأمل لرؤية هذه الظاهرة اللافتة للنظر. فهي ليست ظاهرة عابرة ولا طفرة من طفرات التاريخ. من المفيد استحضار المد اليساري في خمسينات القرن الماضي وكيف اكتسحت الأدبيات الاشتراكية كل الدول والشعوب وأخذت حظها وكفايتها لبناء مشاريع اجتماعية واقتصادية وثقافية في كل بلدان العالم. لذلك يجب أن تقرأ هذه الثورات وهذه التحولات تحت هذا العنوان ولا يجب أن تحرمنا نخبنا ومثقفونا أن نعيش تجربة لتأسيس نمط جديد من المجتمعات بالرجوع إلى المنظومة الثقافية الدينية التي تشكل هويتنا ولغتنا وأحلامنا.
خصوصية هذه التجربة الوليدة هي أنها قطعت مع ماضينا السياسي الثقيل والمسكون بالاستبداد والنمط الأميري والملكي للسلطة السياسية, وهذا في الحقيقة مكسب جوهري لم ينتبه إليه مثقفونا وثوريونا. لقد ثارت الشعوب, عمليا، على تاريخها الاستبدادي والتسلطي الذي رسم للحاكم مناطق نفوذ مطلقة في وعيها وثقافتها ووجدانها ولم تثر على أنظمة سياسية. إن هذا التطور النوعي هو المكسب الذي يستحق أن ندافع عنه بكل ضراوة ليتحول الحكم من هبة ومنة من الله كما يصوره الفقه ورجال الدين إلى تفويض من الشعب يخضع للمحاسبة الدنيوية ولا يتمتع بحصانة الدين وغطاء الحكم الشرعي.. أصبح لمفهوم الثورة معنى ومشروعية في الثقافة الشعبية بعدما كانت فزاعة يختبئ وراءها الاستبداد وفقهاء السلطة. أصبحت الثورة على الحاكم الفاسد مشروعة ومطلوبة بل هي الأصل وليس فيها خطر المروق عن أولي الأمر ونعتقد أن هذه هي حقيقة الدين وجوهر رسالات الأنبياء في حكم الناس بالحق والعدل والخدمة العامة دون مقابل ودون تمليك للشعوب والمقدرات. إنها رسالة كذلك لكل الحركات الإسلامية إنها لا تملك الحقيقة وأن جهدها وتضحياتها وتصورها لم يصنع الثورة لكن الثورة هي التي مكنتها من ثقة الناس والجماهير وعليها تقع مسؤولية الدفاع عن حقوق هذه الجماهير لا حقيقتها هي.
يجب أن يعي الحقوقيون والمثقفون والثوريون بهذه اللحظة ويجب أن يقتنصوها لأنهم لا يمكن لهم الاشتغال بالشأن العام من خارج المنظومة الثقافية لهذه البلاد وهذا الشعب. نتائج الانتخابات لا تعكس بتاتا وهم الحداثة التي نرى مظاهرها في أدق تفاصيل حياتنا وإلا كيف نفهم أن يعمد شبابنا الجامعي و«الفايسبوكي» إلى الدفاع عن النقاب,. المسألة تتلخص في نتيجة عملية تجفيف الفكر الديني التي قام بها النظام السابق وشارك فيها للأسف الحداثيون والثوريون مما دفع بهؤلاء الشباب للتزود بفكر ومحتويات إرث محنط وتراثي موغل في التقليد والجمود عبر الفضائيات المنتشرة كالفقاقيع. هكذا نحن, شئنا أم أبينا, متدينون بالسليقة ولا يمكن للإنسان أن يتنكر لنفسه وذاته.
هي دعوة للتصالح مع ثقافتنا وهويتنا لنتمكن من إنجاح ثورتنا التي لجأ فيها الشعب وبقية الشعوب العربية إلى مخزونه الثقافي حتى يتحرر منه وبه. لن نجد نماذج للشيوعية خير من الإمام علي كرم الله وجهه وأبو ذر الغفاري ولن نجد أفضل من الحسين بن على عنوانا للثورة على الظلم والسلطان ولن نجد أفضل من الرسول الكريم صلوات الله عليه الذي مات ولم يورث فلسا واحدا ولم يملك حبة تراب.
إن الحداثيين والثوريين هم جزء من هذا الشعب يقع عليهم ما يقع على غيرهم من التونسيين مسؤولية رعاية الثورة وتدعيم الفكر النير في ثقافتنا وتراثنا. من هو بن رشد ومن هو الحلاج ومن هو بن عربي ومن هو بن تومرت ومن هو أبو نواس ومن هو بن برد ومن هو أبو العتاهية ومن هو المعري ومن ومن.. لقد ناقش علماء الكلام في الفلسفة الإسلامية ذات الله وصفاته فهل آن الأوان أن ينتبهوا ويطوروا ما تركه هذا التاريخ الهائل الذي لم يسقط في السباب والشتائم والهمز واللمز والابتذال الذي يميز, للأسف, خطاب طبقتنا السياسية»الموقرة». لماذا لا يتحدثون عن الصداق القيرواني الذي تشرط فيه الزوجة طلاقها إن تزوج عليها زوجها؟
لقد كانت تونس مهدا للتسامح والحوار وشهدت وعاشت لفترات طويلة كل المدارس الفكرية وحتى المذهبية وربما هذا سر التميز في محيطنا العربي والإسلامي. ألا يعلم الكثيرون أننا ثقافة, بالتبعية, أموية, عباسية, شيعية فاطمية وعثمانية على المذهب المالكي والحنفي والحنبلي والأباظي إلى يوم الناس هذا؟ نحن لا ندعو إطلاقا إلى إعادة إنتاج هذه النماذج لكننا نقول أن هذه الثقافة أنتجت وتنتج هذه النماذج من غير الحاجة إلى تمثل الغير. علينا في هذه المرحلة مسؤولية هي من أخطر المهمات وهي جر عربة الثورة العربية نحو مشروع تأسيسي لبقية شعوب المنطقة, يجب أن نكون نبراسا للمجتمعات العربية والإسلامية, هذا قدرنا مع هذه الثورة المباركة, ونعتقد أننا على قدر هذه المسؤولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.