لم يدر بخلد الشاب حلمي (21 سنة) أن تكون رحلته في اتجاه التراب الإيطالي يوم 22 جانفي 2011 بتلك الصعوبة قبل وصوله إلى جزيرة لمبدوزا بعد أن تعرض المركب المقل ل165 حارقا لعطب جعل كل الراكبين في لحظة يأس يتهيؤون لمصارعة الموت المحدق لولا تدخل البحرية الإيطالية في الوقت المناسب قبل غرق المركب... هكذا بدأ حلمي سرد أحداث وصوله إلى التراب الإيطالي لكن ما كان في انتظاره بعد رحلة دامت أياما متنقلا من مدينة لأخرى إلى أن استقر في مدينة بارما جاء على غير ما توقع. "الأسبوعي" التقته مؤخرا بعد عودته إلى أرض الوطن ليتحدث لنا عن المعاناة والمصاعب التي تعرّض لها منذ تاريخ بدء رحلة البحث عن الاستقرار. فرج بعد شدة حلمي أشار في بداية حديثه إلى المعاناة التي تعرّض لها وهو يتنقل من مدينة لأخرى إلى أن استقر بجهة بارما بالشمال الإيطالي بعد مروره بفانتيمليا فميلانو فروما وأخيرا مودينا كل ذلك تم إثر عمليات الترحيل التي قامت بها السلط الإيطالية في محاولة منها أن نجد ملاذا آخر غير التراب الإيطالي لنستقر في النهاية ببارما بعد تسكعنا ونومنا في الشوارع والمحطات. محدثنا أشار في هذا الخصوص قائلا: «لم نعرف طعم النوم طيلة أيام بل وأسابيع إلى أن وصلنا مدينة بارما وهناك وجدنا بإحدى الكنائس مكانا يؤوينا إلى جانب مجموعة كبيرة من المهاجرين الشرعيين و«الحارقين»... شعرنا بالاستقرار رغم البطالة لكن لا حل لنا إلا الانتظار ما دام الوضع صعبا». وبدأت رحلة العذاب من جديد بعد مرور بضعة أيام من المكوث بهذه الكنيسة شعرت أنا وعدد من التونسيين المقيمين (20 فردا) معي إلى جانب عدد كبير من الأفارقة أن المسؤولين على هذا المقر «المأوى» صاروا يسيئون معاملتنا ويمنعون عنّا الغذاء الصحي ويقدمون لنا ما فسد من الطعام ولا يهتمون بنا كما هو الحال بالنسبة لبقية المقيمين من الديانة المسيحية عندها لم يعد بمقدورنا تحمّل هذا الوضع خاصة أننا صرنا معرّضين إلى عدة أنواع من سوء المعاملة فغادرنا المكان ولجأنا إلى الشارع حيث أقمنا تحت الجسور رافضين أن نتعرّض لممارسات عنصرية ترفضها كل الدساتير والقوانين العالمية. الصحافة الإيطالية تتفاعل ولم تمض سوى أيام قليلة حتى جلبنا انتباه المسؤولين بالمدينة حيث تتواجد موظفة تونسية تدعى سهام كانت تتابع مشاكل المهاجرين التونسيين فما كان منها إلا أن أشعرت المسؤولين هناك لتحل بيننا الصحافة الإيطالية لمعرفة الأسباب الحقيقية لما جرى لنا أثناء إقامتنا بالكنيسة... هذه المتابعة من وسائل الإعلام لوضعنا جعلت المجتمع الإيطالي يحس بمعاناتنا ويتعاطف الكثير منهم معنا. محدثنا واصل سرد الظروف الجديدة حيث أشار إلى أن أحد المواطنين وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي سعى إلى ايجاد حل لإقامتنا هناك فبادر بتوفير مسكن لائق ل6 أنفار تتوفر به جميع المرافق إضافة لتوفير الأغذية اللازمة كل أسبوع مع مصروف جيب وبذلك تجاوزنا كل الصعوبات لنعرف الاستقرار رغم أننا لم نجد بعد موطن شغل هناك نظرا للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به إيطاليا. وتستمر الرحلة رغم المصاعب حلمي عاد مؤخرا إلى أرض الوطن لقضاء عطلة آخر السنة باعتباره قد تحصل على أوراق الإقامة الصالحة ل6 أشهر وهو يسعى بمجرد العودة إلى إيطاليا للبحث عن موطن شغل حتى يعرف الاستقرار ويضمن مستقبله. حلمي أشار في خاتمة حديثه إلى أنه لم يفقد الأمل بعد في إيجاد شغل بالتراب الإيطالي مؤكدا أنه في صورة عدم الحصول على مورد رزق هناك فإنه سيعود إلى أرض الوطن حتى يتفادى كل أشكال العذاب النفسي والإهانات التي يتعرض لها المهاجر بأوروبا عموما.