المكان تونس والزمان بعد أكثر من عام على ثورة الحرية والكرامة.. ومازالت تقريبا دار لقمان على حالها.. ملفات هامة وخطيرة وجدت طريقها إلى التجاهل والنسيان.. فلا القناصة عرفناهم ولا الفاسدون حاسبناهم.. أما الشهداء والجرحى فمؤكد أننا خذلناهم.. في المقابل يتلهى إعلامنا بقضايا وملفات هامشية وتجاذبات جانبية بين فرقاء سياسيين وأكاديميين ينتمون إلى نفس الوطن.. فمن الأكيد أن الخلافات الايديولوجية، وزيارات بعض الشخصيات السياسية والفكرية، واستقبال «أزلام» المعارضة السورية، وخلافات نواب الشعب في المجلس التأسيسي ونشر الفزاعات المجانية وخلق بعض العقد النفسية من بعض الأطراف والجماعات السياسية والدينية.. كل هذه القضايا ليست ذات أولوية في فترة تحول وانتقال ديمقراطي ثوري... وإذا ما أردنا الرجوع قليلا إلى واقع حياتنا اليومية والاستفاقة ولو لبرهة طفيفة من الجرعات الإعلامية الزائدة من «المخدرات» البنفسجية.. ونزع النظارات الشمسية لرؤية حقيقية مشهد أيام وليال شتوية.. والانتقال من الملهيات والمسكرات الإعلامية والسياسية إلى هول نسق الانجازات الثورية.. لوجدنا الصورة مختلفة تماما عما تسوقه لنا بعض النخب والأحزاب ومكونات المجتمع المدني... فالقناصة إشاعة.. إلا أنهم يتجولون بيننا فرادى وجماعات.. والبوليس السياسي أنجز ما عليه و«ذاب» في وقت قياسي.. بقرار رئاسي.. وشهداء الثورة أصبحوا بضاعة لتجار وسماسرة السياسة ومزايدات الساسة.. ونالوا أجورهم من الدعاء والدينار، أما قاتلهم.. فلكل قضاء مقال وما كل شيء بعد الثورة يقال.. أما عن أموال الشعب المنهوبة والجهات الفقيرة والمنكوبة، والحقوق المسلوبة والمحاسبة المرغوبة.. فهي ليست من الخطوات المندوبة ولعلها تصبح بعد حين كالقناصة.. إشاعات مكذوبة... كل هذا ومازالت حكومة الشعب المنتخبة ترتدي قفازات الحرير في التعامل مع الملفات والتقارير.. وتمشي على خطى الإصلاح مشية الحلزون شعارها «في التأني السلامة» كي لا تطير «الحمامة».. وفي خضم كل ذلك يبهرنا بين الحين والآخر بعض نواب الشعب وضيوف الإعلام بما «لدّ» و«خاب» من التحاليل والكلام.. بعد نشرة جوية نقابية من الاحتجاجات والاعتصام.. وتخرج علينا أسبوعيا مسيرات ومظاهرات بالمئات والآلاف لأسباب غالبها خاوية وعجاف.. بينما لا يخرج من أجل نصرة شهداء الثورة غير بضع عشرات !؟ عندها يقتل الشهيد مرتين في مهد صانعة ربيع الثورات.. ويموت جريح الثورة بعد أكثر من عام ألما وحنقا على مآل التضحيات.. لم لا وقد سمع بأذنيه أن الشهيد ليس بشهيد وأن قاتله غير موجود وهو يراه بأم عينيه في منصبه من جديد.. قال الشهيد.. لم أر ما مت من أجله يتحقق فبلغوا عني أني رغم المشككين شهيد، وأني مهما قتلتموني سأولد بينكم من جديد، فانتظروني في روح كل رضيع وليد.. أنشرها قدر ما تستطيع.. وإن لم تفعل فاعلم أن القناصة منعوك.. وإنها لثورة حتى.. «الصفر فاصل»...