- خلص صاحب المقال في الجزء الاول الى ان مفاوضات الاطراف المعنية بالمطالب الاصلاحية داخل التلفزة التونسية أنتجت قبولا كاملا لمطلب الاربعة اعضاء بالاضافة الى عضو خامس ممثل للاتحاد العام التونسي للشغل متسائلا عما اذا كان يحق لهذه المنظمة ان يكون لها مقعد في مجلس ادارة التلفزة. وفي الجزء الثاني من المقال يقول الكاتب: وما بقي غامضا في نتائج هذه المفاوضات، هو من سيتولى تعيين المدير العام ومديري القناتين الوطنيتين. فالاستقلالية تفترض ان يقوم مجلس الادارة بتعيين ما يسمى بالمجلس التنفيذي والذي يتكون عادة من المدير العام ومن مديري القنوات وبعض البرامج كالاخبار، علما ان اعادة ادارة الاخبار للتلفزة هو مطلب ضروري في الاصلاح، كما يمكن لمثل هذا المجلس التنفيذي ان يكون مفتوحا ايضا لاطراف اخرى حتى من خارج المؤسسة، ضمانا للشفافية في مؤسسة عمومية، كما يفعل البريطانيون. كما ان صلاحيات مجلس الادارة تبقى غير واضحة في تأمين استقلالية المؤسسة. ويطرح السؤال ايضا عن سبب تخصيص التلفزة بهذه الاتفاقية وليس الاذاعة التي هي مرفق عمومي لتقديم الخدمة الاعلامية على قدم المساواة مع التلفزة ويجب اعادة التفكير في موضوع الفصل بين مؤسستي الاذاعة والتلفزة التي قام بها النظام السابق لمحاكاة المثال الفرنسي من حيث الشكل، في وقت اثبت فيه هذا الفصل بين المؤسستين في فرنسا فشله. وللتذكير، والمقارنة: 1 في برطانيا: تسمى الهيئة العليا لحوكمة هيئة الاذاعة البريطانية مجلس الامناء ويتم اختيار اعضائه الاثني عشر لفترة خمس سنوات من خلال ترشحات ذاتية، ويتم استجواب المترشحين من قبل الادارة العامة للبي بي سي ووزارة الثقافة والاعلام والرياضة البريطانية وعلاوة على مركزهم العلمي او المهني واستقلاليتهم، يكون اختيار اعضاء مجلس الامناء على اساس: ضرورة تمثيل المقاطعات البريطانية الاربع (انقلترا، اسكتلندا، ويلز وايرلندا الشمالية). التنوع في الاختصاصات: ضرورة وجود مختص في القانون واخر في المالية اضافة الى شخصيات اخرى في اختصاصات متنوعة، باعتبار ان المادة الاعلامية تهم وتتناول كل المجالات والاختصاصات. وينتخب المجلس رئيسه ونائبا للرئيس، ويتولى تعيين اعضاء المجلس التنفيذي، أي المدير العام ومديري مختلف القنوات الاذاعية والتلفزيونية، ويحبذ في تونس ان يؤخذ التمثيل الجهوي داخل مجلس الادارة في الحسبان ايضا. 2 في فرنسا، يتركب مجلس الادارة من خمسة عشر عضوا، وهو تمثيلي ويتم تعيين الاعضاء كالآتي: عضو من قبل رئيس الجمهورية عضوان من قبل البرلمان (واحد عن مجلس الشيوخ واخر عن الجمعية الوطنية) خمسة يمثلون الدولة: واغلبهم من اصحاب الاختصاص في السمعي والبصري مثل مدير قنوات ما وراء البحار، ومدير المركز الفرنسي للسينما، والمدير العام للاعلام والصناعات الثقافية في وزارة الثقافة، بالاضافة الى مدير عن وكالة المساهمات التابعة للدولة، وكاهية مدير ادارة الميزانية والحسابات العامة. خمس شخصيات يعينهم المجلس الاعلى للاتصال، ويكونون عادة من الشخصيات الوطنية في مجالات الاعلام والثقافة والفنون والرياضة. ممثلان عن الموظفين 3 في جنوب افريقيا: وهو المثال الاقرب لنا اعتبارا لتجربة هذا البلد الحديثة نسبيا في الديمقراطية، فقد تم تبني نظام حوكمة شبيه بنظام هيئة الاذاعة البريطانية لكن اختيار الاعضاء المستقلين يكون من قبل هيئة تشكلها لجنة الاعلام في البرلمان جنوب الافريقي ويتولى مجلس الادارة انتخاب رئيسه وتعيين المدير العام ومديري القنوات. وعليه، وبما ان مجلس الادارة المقترح لمؤسسة التلفزة التونسية، هو نظام أقرب منه للنظام الفرنسي، لا نرى أي سبب لعدم ضرورة تشريك الهيئة الوطنية المستقلة لاصلاح الاعلام والاتصال في أي حوار يدور بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل حول اصلاح للتلفزة او اية مؤسسة اعلامية عمومية اخرى. وقد تكون حالة البرود في العلاقات بين الهيئة والحكومة سببا في ذلك. وندعو، من اجل المصلحة العامة ومستقبل الاعلام في البلاد، ان يتم تجاوز هذا البرود حتى لو ان مهمة الهيئة قد تنتهي قريبا لتترك المجال للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري. ويفترض ان يكون من حق الهيئة الوطنية المستقلة لاصلاح الاعلام والاتصال المساهمة في تعيين نسبة من اعضاء مجلس الادارة سواء للتلفزة او اية مؤسسة اعلامية عمومية اخرى. ومن الهام ايضا ان يتضمن المرسوم الذي يؤكد استقلالية المؤسسة، العناصر التالية: تركيبة المجلس، والاطراف المتدخلة في التعيين، وعمل المجلس، تعريفا بالخدمة العامة المطلوب من مؤسسة التلفزة تقديمها والاهداف الواجب تحقيقها، وهذان العنصران الاخيران أي الخدمة والاهداف، هما اللذان سيحددان لاحقا الخطوط العامة للسياسة التحريرية للمؤسسة في كل المواد الاعلامية التي تنتجها. وهذا من المواضيع ذات الاولية القصوى حاليا لاخراج الاعلاميين في مؤسسة التلفزة، كما في الاذاعة من حالة الضياع والتخبط التي يعانون منها بسبب غياب سياسة تحريرية واضحة. ويتم عادة وبعد توقيع المرسوم، وتشكيل المجلس، وضع اتفاقية مفصلة تعرف باتفاقية الاهداف والامكانيات، للتوقيع بين مجلس الادارة والحكومة، كما هو جار به العمل في كل المؤسسات الاعلامية العمومية في الدول الديمقراطية. ولهذا، وبما ان الخطوة الاولى هي خطوة هامة جدا لتحرير الاعلام العمومي في تونس، سيحسبه التاريخ للاطراف التي شاركت وسمحت به، فانه من الهام ان يكون التأسيس له، ومنذ البداية على اسس صلبة وصحيحة، حتى لا يكون البناء معوجا عند تشييد لبناته لاحقا. وفي هذا الصدد، قد يكون من الأنسب، واعتمادا على حس وطني، ونظرة شاملة، مراجعة طريقة التمثيل في المجلس للاطراف المتدخلة لتفادي كل خلل في التركيبة. وحتى يكتمل البناء، فمن الضروري ان يتم سحب أي اتفاق لاعادة تنظيم حوكمة مؤسسة التلفزة على المؤسسات الاعلامية العمومية الاخرى. ويفضل ان يؤدي الحوار الى تحديد صلاحيات المجلس بالتفصيل. وهنا، نؤكد على ضرورة توسيع الحوار كما اشار اليه اعضاء في الحكومة الحالية حول الاعلام وعدم اقتصاره على طرفين اثنين فقط أي الحكومة والنقابات لان امر الاعلام يهم كل الاطراف الوطنية. وفي خلاصة، فان تسيير التلفزة او الاذاعة الوطنية يجب ان يكون امرا توافقيا بين مختلف الاطراف المعنية مباشرة بالاعلام من حيث التسيير ووضع الاهداف العامة الواجب تحقيقها من قبل أي من المؤسستين ولا يقتصر فقط على الحكومة والنقابات. ويجب فتح هذه المفاوضات لمشاورات واسعة تشترك فيها الاطراف المعنية بموضوع الاعلام العمومي، ومجموعة من الخبراء للاستئناس بآرائهم.