هل يمكن للمجتمع المدني أن يتحول إلى وسيلة ضغط وتأثير في السياسات الوطنية والإقليمية والدولية بعد فترة من الذهول والفتور عاشها قبل الثورة؟ وهل أن هذا الحراك والتعدد والتنوّع في الاختصاصات والمهام التي شهدتها المنظمات والجمعيات بعد 14 جانفي سيجعل منها آلية من آليات التغيير والإصلاح صلب المجتمع؟ جملة هذه الإشكاليات طرحتها الصباح خلال دورتي تدريب لفائدة جمعيات مدافعة عن حقوق المرأة بتونس تحت شعار لأنّ المرأة إنسان بحقوق كاملة ، نظمها المعهد العربي لحقوق الإنسان بالتعاون مع شبكة الأنترنيوز من 12 إلى 17 مارس الجاري بتونس العاصمة وشارك فيها، من تونس الكبرى والجهات، عدد من الجمعيات النسائية والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة. فلم تخف رجاء العباسي ممثلة شبكة انترنيوز بتونس تخوّفها من هذا الكم من الجمعيات والمنظمات بالرغم من أنّها تعدّ ظاهرة صحيّة ولكنها يجب أن تتوسع في إطار أفقي يطرق مجالات لم تطرح في السابق، لكن السؤال المطروح هلأنّ كلّ هذه الجمعيات والمنظمات مؤهلة للقيام بالأدوار الموكولة إليها. إنّ ما يحتاجه المجتمع المدني بكل مكوناته وخاصة منها المتشابهة في الأهداف ومجالات التحرك، ليكون وسيلة ضغط وتأثير في السياسات الوطنية والإقليمية، القيام بعملية تشبيك لتطوير العمل نفسه، فقد أصبحت الحاجة ملحة بأن يلعب المجتمع المدني دوره الصحيح والحقيقي، وذلك عن طريق التنسيق فيما بينها وهي من أولى شروط التحول في المهام والأدوار لتكون بالتالي وسيلة ضغط وتأثير في السياسات. وأضافت رجاء العباسي أن الشرط الثاني يتمثل في تطوير عمل المنظمات والجمعيات وأساليب تحركها لتصبح إلى جانب الإعلام سلطة للتغيير والإصلاح بما أنهما قوتان تُعدّان من أهمّ أدوات الديمقراطية. أما الشرط الثالث فقد حصرته ممثلة شبكة أنتارنيوز في اليقظة والإلمام بالأهداف وتنمية قدرات الكوادر، إلى جانب تأكيدها على ضرورة تخطي منهج المركزية في العمل والانفتاح على جميع الجهات والكفاءات وكل شرائح المجتمع باعتبار أنّ كلّ الثورات جاءت من المهمشين، دون أن ننسى أهمية الربط ما بين الدورات التدريبية والندوات وتطبيق ذلك في أرض الواقع.
التأييد
من جهتها قالت جمانة مرعي مدربة وممثلة مكتب المعهد العربي لحقوق الإنسان ببيروت كلنا لدينا دوافع مختلفة للمشاركة في المجتمع أو السياسة، ومهما كان الدافع للمشاركة فنحن نريد تحقيق تغيير ما أو التأثير بالإتجاه الذي يأخذه المجتمع.. وهذا يتطلب حملات مدافعة وتحشيد وكسب التأييد والتي تُعدّ عملية مطلبية جماعية تسعى إلى تحويل مشكلة ما إلى قضيّة وتفترض استقطاب المعنيين وتضامن الرأي العام للوصول إلى النتيجة المرجوة. فقد أكدت جمانة مرعي أنّ كسب التأييد هو جزء من العملية الديمقراطية حيث يقوم به المجتمع المدني بهدف التأثير بسياسات الحكومات للتأثير في صنع القرار ولزيادة وعي الناس بحقوقهم وواجباتهم في المجتمع.. النهوض بالفئات المهمّشة وحلّ مشكلاتها وتغيير طريقة اتخاذ القرارات والسياسات لإيصال صوت الأشخاص المتأثرين بها، إلى جانب تحفيز الإلتزام المدني وتقوية المجتمع وتعزيز الديمقراطية لممارسة الحقوق وحمايتها، وهي أيضا أداة لزيادة مشاركة المواطنين في صنع القرارات.
القضية
يصعب أن يكون للمجتمع المدني موقع قرار ومكانة في الواقع في غياب مسار واضح وجلي لكسب التأييد، فبالنسبة لجمانة مرعي مسار كسب التأييد يمرّ بست مراحل تتمثل في تحديد المشكلة أو المعاناة أو جملة الحاجات لتحويلها إلى قضية يلتف حولها تكتل جماعي حاملا لهذه القضية يقع على اثرها تحضير الملف وإعداده لترويج قضية ما وبالتالي تشكيل قوّة ضاغطة من أجل التغيير في الواقع. وأضافت مرعي أنه هناك أسس تتمّ على إثرها صياغة القضية التي يجب أن تكون مبنية على الحقّ وليس على الحاجة مبيّنة أنّه هناك فرق بين المشكلة والقضية، فالأولى ناتجة عن الثانية أما القضية فيجب أن تكون عادلة ويتمّ دراسة حجم تأثير المشكلة على المجتمع ومدى شيوعها فيه، فضلا عن اختيار اللحظة السياسية المناسبة لطرحها. وحتى تتحقق جلّ هذه الأهداف فان هناك جملة من المقاربات لكسب التأييد أوّلها الحوار بالوصول إلى صانعي القرار سواء عن طريق وسائل الإعلام أو المسيرات السلمية أو الحوار المباشر، ثانيها التعبئة التي تعدّ وسيلة مهمة للمطالبة بالحقوق والتوعية والتأطير وثالثها المواجهة بالرغم من خطورتها. جل هذه المقاربات تتطلب بدورها تشخيص المشكلة ثمّ التخطيط الاستراتيجي ثمّ التداول والتعبئة لتنتج في النهاية تنظيما فعالا يؤدي إلى المثابرة والضغط بإدراج خطة إعلامية لتحقيق الأهداف المرجوة.