- أعلنت «حركة التجديد» و»حزب العمل التونسي» وبعض الشخصيات المستقلّة عن القطب الديمقراطي الحداثي عن اندماجهم في تكتل سياسي واحد..وهي خطوة توحيدية أولى في انتظار إمكانية اندماجهم مع التكتل السياسي الجديد، الذي سيشكله الحزب الديمقراطي التقدمي وآفاق تونس والحزب الجمهوري وبعض الشخصيات الوطنية. كان لاندماج حركة التجديد وحزب العمل التونسي وقعه وصداه في المشهد السياسي ناهيك أن عملية التوحّد هذه هي بداية نحو مزيد من الوحدة والانصهار في إطار الحزب الوسطي الكبير..»الأسبوعي» التقت بالدكتور عبد الجليل البدوي رئيس «حزب العمل التونسي» والخبير الاقتصادي المعروف حيث تطرّقنا من خلال الحوار التالي إلى عدة مواضيع مختلفة كخلافه مع علي رمضان ومصير الوحدة مع «حركة التجديد» ورأيه في أداء الحكومة وفي المجلس التأسيسي والأهم رأيه في مشروع الميزانية التكميلي خاصّة أنه خبير في مثل هذه المسائل... *على اثر عملية الاندماج السياسي التي أعلن عنها مؤخرا بين حزبكم وحركة التجديد برز شقاق وتباين حاد في المواقف بينك وبين علي رمضان أحد مؤسّسي حزب العمل التونسي..فما هي خلفيات هذا الصراع ؟ - الصراع مفاده أن علي رمضان تغيّب مدة تناهز تقريبا 5 أشهر عن الحزب رغم أنه عضو في مجلس السياسي الذي يضم رؤساء ومقرّري الجهات؛ فنحن لدينا 17 لجنة للتفكير والبرمجة وفي المجموع 34 يمثلون اللجان و24 يمثلون الجهات وهذا المجلس له صبغة استشارية لكن كنّا نعتمد مقترحاته وتوصياته في الحوارات والنقاشات وأخذ القرارات.. وقد خصّصنا اجتماعين لهذا المجلس عقب انتخابات المجلس التأسيسي لتقييم تجربة الانتخابات وتحليل على ضوء هذه التجربة الواقع والمشهد السياسي وتحديات المرحلة الحالية وما هي الاختيارات التي يجب أن نبادر بإنجازها وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن أن نقف من دون فعل أمام التقسيم والتشتّت والتشرذم الذي يميّز الساحة السياسية؛ وكانت من نتائجه أن «النهضة» بمليون و نصف من الأصوات تحصّلت على 41 بالمائة من المقاعد في التأسيسي وفي المقابل مليون ونصف صوتا ليس لديهم من يمثلهم في التأسيسي نظرا لتشّتت القوى اليسارية والتقدمية والحداثية. وفي ظل هذا الوضع أصبح من الضروري الانصهار في ظلّ تمش توحيدي لا مناص منه إذا أردنا تقديم عمل مفيد ودعم الانتقال الديمقراطي الموجود لأن هذه الخلل هو مدخل لاسترجاع الاستبداد وهيمنة الحزب الواحد؛ وبالتالي أصبحت الأولوية السعي إلى تحقيق توازن داخل المشهد السياسي؛ والتوازن هذا من شأنه أن يضمن تشريك المواطن وتجذيره في العمل السياسي . لكن علي رمضان أراد انعقاد مؤتمر تأسيسي ونحن وباعتبار مشروع الاندماج والتوحّد الذي عزمنا عليه لم نر فائدة أن نضيّع الوقت في إنجاز مؤتمر...ورغم قول علي رمضان إنه موافق على التوحيد لكن دعوته لمؤتمر تأسيسي هو تعطيل لمسار التوحيد ثم كذلك هو لم يستقر على رأي فأحيانا يؤكّد أنه مع التوحيد لكن ليس مع الحزب الذي اندمجنا معه.. *كان الرأي العام ينتظر نتائج أفضل لحزب العمل في الانتخابات السابقة بالنظر إلى قرب الحزب من الأوساط النقابية على مستوى القيادة لكن هذا لم يحصل..لماذا ؟ لم نر إقبالا على الحزب في الانتخابات لأنه ومن دون مبالغة أغلبهم لهم احترازات مع على رمضان والدليل أنه بعد أن انشق علي رمضان ووقع الخلاف فإن عديد الوجوه النقابية وغير النقابية أقبلت على الحزب ورجعت وعبّرت عن تمسّكها بحزب العمل التونسي .. ومن كنّا نعتقد أنه سيكون حافزا للاستقطاب لعديد القواعد النقابية اكتشفنا أنه في حقيقة الأمر عائق و عنصر تنفير للنقابيين من الحزب.. *قيل إن حقيقة الصراع بينكما مردّه حرب الزعامة والتمسّك بالقيادة. ما رأيكم ؟ لا. لم يكن هناك تجاذب على الزعامة وكان موافقا أن أكون أنا رئيس الحزب والمسؤول الأول؛ وشخصيا لم أحرص حقيقة أن أكون المسؤول الأول لأنّي إلى الآن و إلى حد حزب العمل التونسي لم تكن لي أي تجربة سياسية ولم أكن مولعا بالسياسة وكانت تجاربي جمعياتية نقابية بالأساس وبالتالي هو من جملة الناس الذي أكّد عليّ لتقلّد هذه المسؤولية داخل الحزب. لكن مشكلته أنه أعتقد أني سأكون حارس الحزب إلى حين عودته ونسي أن الحزب ليس أصلا تجاريا ليتركني بالوكالة أو المناولة .الحزب هو رصيد وأصل فكري اجتماعي نضالي ومجهود لجان سهرت الليالي لتبلور خطابا سياسيا وبرامج اقتصادية واجتماعية قدّمتها للناخب التونسي. *تملكون رصيدا نضاليا نقابيا كبيرا؛ فما هي العلاقة التي تربطكم اليوم بالمنظمة الشغيلة ؟ نحن موضوعيا نلتقي مع الحركة النقابية لأننا نعطي أهمية قصوى للبعد الاجتماعي وربمّا عندما نتعمّق أكثر في برامجنا وخياراتنا يكون ذلك دافعا أكبر للنقابيين للإقبال والانخراط في الحزب. شخصيا ومنذ زمن فإن لي علاقات صداقة متينة مع العناصر النقابية وخاصّة التركيبة الحالية للمكتب التنفيذي لاتحاد الشغل بحكم أني كنت في فترة معينة مستشارا لدى الزعيم الحبيب عاشور لمدة 6 سنوات من بداية الثمانينات إلى تاريخ الأزمة في 1985 وواصلت ممثلا للقيادة الشرعية في الخارج بتوصية من الحبيب عاشور .. لكن لا نستطيع أن يكون لدينا التقاء موضوعي معلن بين القيادة الحالية وحزب العمل لأن هناك جميع الحساسيات السياسية داخل القيادة فهو تواصل مع كل الأحزاب على قدر المساواة.. *رأيكم في قيادة الاتحاد الحالية..خاصّة أن مواقفها بدت صلبة وغير متسامحة مع هنات العمل الحكومي ؟ القيادة أتت على أساس وفاقي وهذا أمر إيجابي ..كذلك هي قيادة مسيّسة خاصّة أن العمل النقابي يجب أن يكون لديه مرجعيات و خلفيات سياسية لأنه ليس هناك عمل نقابي لا بعد سياسيا فيه ..وعكس ما يذهب إليه البعض من أن الاتحاد العام التونسي للشغل غير معني بالشأن السياسي فإنه ليس هناك عمل نقابي لا يهمّه البعد الوطني والسياسي حتى يستطيع بناء اختيارات مستقبلية بناءة؛ وبالتالي فان العمل النقابي له علاقة بالبعد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي حتى يقوم بواجبه والحكومة واعية بالتحديات لأن لها خلفيات سياسية تجعلها على دراية بكل الملفات. *ماعلاقتكم المستقبلية وفي إطار الاندماج السياسي الذي قمتم به بالحزب الوطني الكبير؟ هناك 6 أطراف حزبية بالنظر لوزنها إشعاعها قادرة على المساهمة في خلق حزب وسطي كبير يكون له تأثير في الحياة السياسية ويفتح مستقبلا للتداول السلمي على السلطة... وهذه الأطراف هي»القطب الحداثي» ..و»حركة التجديد «..و»الديمقراطي التقدمي»و»حزب «آفاق تونس» و»حزب العمل» و»الحزب الجمهوري»؛ ونستطيع إضافة شريك سابع وهم «المستقلون». وقد دخلنا في نقاشات وتكوين لجان للبحث في شأن خلق حزب جديد. وسنعتمد منطق الوفاق والقيادة المشتركة . *أنت كخبير اقتصادي دولي إلى جانب نشاطك الحزبي كيف تقيم مشروع الميزانية التكميلي ؟ مشروع الميزانية التكميلي يتسم أساسا باستمرارية الاختيارات وليس هناك مؤشرات أولية على خيارات جادة تقطع مع الماضي لأنه من المفروض أن الميزانية أن تعطينا اختيارات جديدة في كل الميادين.. ولكن رغم ذلك فان هذا البرنامج بإمكانه إعطاء مؤشرات حول رؤية وطرح الحكومة لعدة ملفات؛ وأعطيك مثالا: فأنا كنت أحبّذ أن تقع مراجعة ولو طفيفة لنسبة الضرائب على مداخيل العمال وذلك باستطاعته أن يعطي مؤشّرا بأن هذه الحكومة لها وعي بالحيف الجبائي المسلّط على العمّال ويعطي مؤشرا على توفّر إرادة في انتظار إصلاح جبائي شامل.. ومن الثغرات الكبرى لهذا المشروع في اعتقادي أن الموارد التي اعتمد عليها مشروع الميزانية غير مضبوطة بصفة نهائية فهناك تعويل غريب على الأملاك المصادرة.. ( أملاك العائلة المالكة السابقة من خلال بيعها) وفي الميزانية 1.2 مليارا ثمن هذا البيع المزمع القيام به؛ و هذا فيه خطر كبير لأنه نخاف أن يؤدي هذا الارتجال إلى تحويل الملكية من عائلات مالكة سابقة إلى عائلات مالكة جديدة وتثمين هذه الأملاك بسعر لا يعكس قيمتها ويكون بخسا خاصّة أنه وقع فيها سوء تصرّف من طرف المؤتمنين العدليّين والمتصرّفين القضائيين الذين تركوا هذه الأملاك في وضعية اقتصادية محرجة وهو ما يمكن أن يجعلها تباع بأثمان بخسة.. هناك ارتجال في الموارد تجعلنا نبدي تخوّفنا من أن يتم الأمر وفق لمبدإ «البيعة والشرية» وبالتالي فتح المجال للفساد وسوء التصرّف من قبل بعض الأطراف. أمّا المورد الثاني فهو القيام بمصالحة مع رجال الأعمال ال460 الممنوعين من السفر. فأعتقد أن المصالحة كذلك ستتم وفق منطق» البيعة والشرية» عوض أن تتم المصالحة عن طريق العدالة وفي كنف الشفافية.. وهنا نتساءل: لماذا لا يتمّ هذا الأمر من طرف هيئة مستقلة ومحايدة تشتغل في كنف الشفافية على تسوية هذه الوضعيات فنتفادى بالتالي كل الشبهات. ورغم تبرير هذا الاستعجال بالحاجة الشديدة للاستثمار وعودة العجلة الاقتصادية للدوران إلاّ أن هذا التبريرلا يبرّر في الحقيقة حتى ولو كان مبلغ الاعتمادات من هذا المورد يناهز 450 مليارا. *ما تقييمك لعمل حكومة «الترويكا» بعد أكثر من ثلاثة أشهر ؟ الحكومة يمكن تقييم أداءها كفريق كامل فهي قد دخلت واعتمدت منطق الفشل. لماذا؟ لأنه خلافا للمعمول به في أوضاع اقتصادية صعبة ومشابهة لظروفنا، تعطي الأحزاب السياسية مقاليد السلطة التنفيذية لحكومة تكنوقراط لأنها لا تريد تحمّل مسؤولية فشل البرامج الاقتصادية ولأن حكومة تكنوقراطية تمرّ مباشرة للعمل والإنجاز لأنها عبارة عن فريق من الخبراء مطلعين على الملفات ويكون تدخلها ناجعا لكن حكومة «الترويكا» حكمت بمنطق الغنيمة وتعاملت مع الثورة كأنها غزوة تريد منها أكثرغنائم.. فهل يعقل أن يكون رئيس دولة دون صلاحيات لكنه ذو 34 مستشارا منهم 14 برتبة وزير .. منطق الغنيمة غلب حتى في التسميات الأخيرة كما أنه ليس هناك انسجام داخل الحكومة مع طرف مهيمن ممّا ولّد غياب ثقة الرأي العام وانتشار عقلية الغنيمة بدورها في المجتمع. وما ذكر لا يساعد على الاستقرار الأمني والاجتماعي خاصّة أن من في الحكم يعتقدون أن تمكنهم من دواليب الدولة ضمان للمحطات الانتخابية القادمة. *وكيف تقيمون أداء المجلس التأسيسي..؟ المجلس التأسيسي «تابع» وليس «فاعلا» فمن المفروض أنه الوحيد المالك للشرعية وبالتالي يجب أن يكون فاعلا أكثر مما يقوم به الآن؛ فهو يعمل ببطء وأصبح مجالا للصراعات الحزبية أكثر منه لتمثيل الشعب والوصول إلى الوفاق وتجاوز الانتماء الحزبي لأنه معنيّ ومؤتمن على مستقبل البلاد بصياغة الدستور ولكن الأداء غير مطمئن.