تصر قناة "روتانا زمان" الفضائية المتخصصة في السينما المصرية القديمة على أنها تقدم من خلال إعادة بث الافلام المصرية التي منها ما يعود تاريخ إنجازه إلى الاربعينات من القرن الماضي مادة سينمائية تصنفها ضمن ما تطلق عليه في إطار ومضاتها الاشهارية بزمن الفن الجميل. وإذ لا ننكر أن السينما المصرية التي تعد في طليعة البلدان العربية من حيث كثافة الانتاج ومن حيث قدم التجربة. فالسينما المصرية يتجاوز عمرها اليوم مائة سنة وإذ لا ننكر أنها قدمت عددا من الروائع سواء تلك الاقلام المقتبسة من روايات وقصص نجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس أو تلك التي أخرجها عمالقة على غرار حسن الامام وبركات وكمال الشيخ وغيرهم لكن ليس كل ما تبثه قناة روتانا زمان من هذه المادة يمكن أن يدخل في خانة زمن الفن الجميل. فالتاريخ لوحده لا يمكنه أن يمنح العمل السينمائي شرعية تصنيفه في إطار زمن الفن الجميل. كثيرة تلك الافلام التي تبثها هذه القناة والتي تتخصص كليا في كل ما هو إنتاج مصري حتى أننا نستغرب التسمية للقناة التي لا تتلاءم بالمرة مع ما تقدمه من مادة. صحيح أن مصر كانت سباقة في المجال السينمائي لكنها اليوم ليست لوحدها في هذا المجال فهناك عدة تجارب خاصة بمنطقة المغرب العربي بدأت تحقق من التراكم ما يسمح لها بأن يكون لها تاريخ وفي رصيدها افلام يمكن أن تعرض وأن تجد الجمهور الذي نخاله بات يعتقد من خلال ماتبثه روتانا زمان أنه لا تاريخ مثلا لتونس وللجزائر وللمغرب في المجال السينمائي. قد لا تصح مقارنة الانتاج السينمائي المصري وبقية الدول العربية من حيث الكم فإن كان لمصر آلاف الافلام فإن رصيد بلدان على غرار تونس والجزائر والمغرب يقتصر على بضعة عشرات من الافلام ولكن تطعيم هذه القناة من حين لاخر بأفلام عربية أخرى قد يكون مفيدا على مستويات متعددة. على كل ليس هذا موضوعنا. علي بن عياد ورشدي أباضة قدمت القناة مؤخرا الفيلم المصري الذي يحمل عنوان "الحب الضائع". وقد كانت لفرصة حقيقية و مواتية لمشاهدة هذا العمل السينمائي الذي لم يتسن لاجيال اليوم مشاهدته بالسينما لكن لماذا تستوقفنا هذه التجربة و لماذا هذا الفيلم بالذات ؟ السبب يعود ببساطة إلى أن الفيلم شارك فيه الفنان الكبير الراحل علي بن عياد ويؤدي فيه كل من رشدي أباضة وسعاد حسني وزبيدة ثروت ومحمود المليجي وكلهم من النجوم المصريين المعروفين أدوار البطولة. كما أن مجموعة من المشاهد تم تصويرها بتونس وأخرى بالمغرب الاقصى. الفيلم مضت عليه اليوم عقود ولكن مشاهدته تبقى تثير عدة تساؤلات إذ سرعان ما نتفطن إلى أن هذا العمل كان يطغى عليه التكلف إضافة إلى التطرق السطحي جدا للاحداث. لقد تمت صياغة الاحداث بالشكل الذي نمرر فيه مشاهد ثانوية وتافهة جدا يظهر فيها الفنان الكبير علي بن عياد ثم سرعان ما نزيحه من الفيلم على الطريقة الامريكية فإذا ما أردنا التخلص من ممثل ننهي حياته في المشاهد الاولى للعمل. ثم نفسح المجال لبروز النجوم الاساسية وقد لعب رشدي أباضة الدور الرئيسي في الفيلم. وعلى الرغم مما يتحلى به ذلك النجم المصري من شهرة فإن حضوره في ذلك الفيلم كان مزعجا بعض الشيء فشكله الخارجي لم يكن منسجما مع دور الفتى الاول الذي جسده. قدم الفيلم مجموعة من المشاهد السياحية من تونس ومن المغرب من خلال جولات سعاد حسني في البلدين وكان تتابع الاحداث يتم بشكل ساذج ومبسط إلى درجة الابتذال. وإذ نقدم هذا الفيلم فلانه دليل على أن زمن الفن الجميل لم يكن كله كذلك. وأن لكل فترة مزاياها وسلبياتها. وفيلم الحب الضائع واحد من عدد كبير من الافلام المصرية القديمة التي لم تقدم فنا جميلا. منطق الاقصاء وأفلام لا نطيق معها صبرا إن القناة المذكورة تملك حقوق البث لمجموعة من الافلام المصرية القديمة وهي في المطلق تقدم خدمة للمشاهد الذي تمكنه من فرصة الاطلاع على التجارب السابقة والتعرف إلى نجوم يحتلون مكانة في ذاكرة الاجيال القديمة من هواة السينما. لكن الاصرار على أن كل ما تبثه ينتمي إلى زمن الفن الجميل فهو منطق إقصائي ويميز آليا بين زمنين في الفن أي بين الماضي والحاضر. الماضي يرمز إلى الزمن الجميل أما ما يقابله فهو ذلك الزمن الرديئ. وإذا ما عدنا إلى مجموع الافلام خاصة منها الافلام بالابيض والاسود التي تبثها القناة وتعيد بثها باستمرار فإننا نلاحظ أن أغلبها ساذجة حتى ولو وضعناها في منطق العصر الذي ظهرت فيه. وهناك من بين الافلام التي تعرضها من لا تستطيع أن تستمر في مشاهدتها للحظات قصيرة. ويعود الامر إما للموضوع الذي يتم التطرق له بشكل مضحك (ولا نعني الافلام الكوميدية) أو لاداء الممثلين الذين نراهم كالرجل الآلي أو لقلة الذوق التي نستغربها في وقت كان يفترض أن الناس فيه محافظون أكثر من اليوم أو لاسلوب الدعاية الذي تقوم به لهذه الجهة أو تلك. صحيح أن حاضر السينما اليوم في مصر بالذات يطرح عدة مشاكل على مستوى قدرة السينما على طرح المواضيع التي ترتقي بالقطاع وتطرح القضايا التي تخدم المجتمع وذلك وفق شهادات مختلف الاطراف الفاعلة في القطاع وعبر ما تعبر عنه في مختلف المناسبات وصحيح أن هذا العصر الذي يشهد تطورا مذهلا لوسائل الاتصال الجماهيرية والتي مكنت من تحسين الصورة وسهلت مهمة الممثلين والمخرجين والتقنيين يجعل أهل المهنة اليوم ربما أكثر حظا من أجيال الماضي لكن ليس معنى ذلك أن الانتاج القديم يصنف آليا في خانة الفن الجميل في حين نصنف الانتاج الاكثر حداثة زمنيا طبعا في خانة الانتاج الرديء.. إذن لا اعتراض على أن السينما المصرية ومنذ الاربعينات ثم خاصة في الستينات قدمت وجوها بارزة على غرار عمر الشريف وفاتن حمامة وماجدة وشكري سرحان ورشدي أباضة وعماد حمدي وهند رستم وأحمد مظهر وفريد شوقي ومحمود ياسين وسعاد حسني والقائمة تطول فلا أحد ينكر على هؤلاء نجوميتهم وعلى البعض منهم الكاريزما التي يتحلون بها ولكن أغلب هؤلاء وغيرهم نجدهم في أفلام تجارية لا قيمة لها. لا نتحدث بالطبع عن الافلام الاستعراضية التي تركب بشكل سطحي وتكون لا هم لها سوى ابراز المطرب النجم أو الراقصة النجمة وذلك على حساب العمل ككل. إنه من حق أي قناة تلفزيونية أن توظف مختلف آليات الدعاية الحديثة للترويج لبضاعتها لكن نجد أنها توفر لنا فرصة واضحة للفت الانتباه إلى سمة صارت تميزنا نحن العرب. ولا يقتصر الامر على الفنون ففي جميع المجالات تقريبا ترانا ننظر إلى الماضي بإجلال كبير في حين ننظر باحتراز إلى الحاضر إن لم نقل بازدراء. فتبدو لنا أجيال الماضي هي المصيبة في كل شيء وهي الناجحة في مختلف القطاعات المهنية بينما جيل الحاضر عليه أن يبقى في الظل ولا نتكلم عن المستقبل طبعا وتبدو الامور ضبابية من حولنا فلا نرى الكفاءات ولا نستفيد منها حتى تصير من أجيال الماضي. هكذا يكون من ابتدع فكرة التمييز بين زمن الفن الجميل والزمن الاخر الذي يفترض أنه زمن الفن الرديء في منطق الاشياء وهو لم يبتدع شيئا من عنده.