بإشراف المسرحي توفيق الجبالي أعد فريق فضاء التياترو بالعاصمة برنامجا متنوعا تحت شعار "مسرح..حرية..كرامة..مواطنية" كان قد انطلق في شهر مارس الماضي من خلال مسرحية «اشطح مع القرد» ليتواصل إلى نهاية الشهر الجاري وتتنوّع الأنشطة الثقافيّة من فنون تشكيليّة ورقص ولقاءات فكرية. وفي إطار هذا البرنامج كان الموعد مساء أول أمس مع مسرحية «طابا طابا» للمخرجة خولة الهادف التي كانت من بين ثلاث ممثلات شابات وهن فاطمة الفالحي ويسر القلعي وزهرة الزموري. إحالات بعيدة قريبة جمعت خولة الهادف في «طابا طابا» بين التراجيديا والكوميديا فكان العرض ثريا من حيث الآليات الفنية والجمالية القادرة على تجسيد الصوت الباطني لكل ممثل المليء بالمدلولات والإحالات البعيدة القريبة ناهيك أنها من جهة تقبل قراءات متنوعة لا يمكن للمشاهد أن يضبطها بشكل نهائي ومن جهة أخرى تبدو بعض اللقطات في العرض قريبة من المتفرج والمواطن التونسي على وجه الخصوص عبر تعرية المجتمع القائم وانتقاده على جميع المستويات فضلا عن استشراف لحظات المستقبل بأسلوب هزلي ساخر. وإن لم يتجاوز العرض ساعة من الزّمن فقد كان مليئا بالأحداث والحركات الممتزجة بالموسيقى حينا وبالضوء حينا آخر غلب عليها نسق دراماتورجي بني بطريقة تصاعدية لعل المخرجة وصاحبة النص خولة الهادف أرادت من خلاله أن تتطرق الى العديد من المسائل الهامّة التي يعيشها المجتمع التونسي خاصة في خضم تداخل وتشابك المفاهيم السياسية ونحن لا نزال نبحث عن رؤية مستقبلية واضحة. وقد أبدت الممثلات في «طابا طابا» طاقة مذهلة على مستوى الحركة على الركح واستطعن أن يشددن الجمهور بمرونة الحركة التلقائية وأن يفسحن له الإمكانات المتاحة للتأويل وقراءة الحركة والكلمة من عدة منافذ. الكوميديا الصادمة من ناحية أخرى، ولئن غلب على «طابا طابا» الطابع الهزلي فقد شهدت المسرحية العديد من لقطات «الوان المان شو» جسدتها الممثلات ببراعة كبيرة، ذلك أن كل واحدة منهن كشفت عن عدة جوانب اجتماعية وسياسية هامة بأسلوب ساخر يحيلنا على عالم المضحكات المبكيات. وكان الامتياز للمخرجة الممثلة في آخر العرض وهي تسرد رواية للأطفال مترجمة من نسختها الأصليّة بالانقليزية إلى اللّغة العربية حيث عمدت إلى ربط الأحداث في الرواية بالأحداث الاجتماعية الراهنة وخاصة الجانب السيكولوجي للطفل في إحالات مفادها أنّ مسألة تربية الطفل تتطلب اهتماما كبيرا من الأم ومراعاة لخياله الشاسع وحساسيته المفرطة.. هكذا لعبت الكوميديا السوداء أو الكوميديا الصادمة دورا هاما في مسرحية «طابا طابا» لنقل أهم ما يجول بخاطر التونسيين إزاء ما هو سائد في جميع المجالات والتي تهم واقعنا الراهن.