مكنت أبرز تظاهرة للشراكة الفلاحية التي احتضنتها مدينة الحمامات على مدى اليومين الماضيين من عقد نحو 600 لقاء أعمال ثنائي مباشر بين 25 مستثمرا أجنبيا من أوروبا وآسيا وأستراليا وامريكا الجنوبية و120 باعثا فلاحيا تونسيا للتباحث والتفاوض حول سلة من مقترحات العروض لقطاعات إنتاجية واعدة قادرة على مزيد استقطاب الاستثمارات وتنويع مصادرها وتثمين مجالات توظيفها في الأقلام المنتجة والصناعات الغذائية والبرامج التصديرية وسط تطلعات بتحويل نوايا الاستثمار إلى عقود نافذة وتتويج المصافحة الأولى إلى مشاريع ملموسة. ومن خلال مواكبة فعاليات اللقاءات المباشرة برزت رغبة جامحة من الحضور الأجنبي في دعم مشاريع الشراكة التي انطلقوا فيها مع شركائهم التونسيين ومزيد التوسع فيها أو من خلال البحث عن فرص شراكة جديدة والاستفادة من مزايا الاستثمار المتاحة والتي تجعل يد القطاع الفلاحي ممدودة ومنطلقة نحو جلب الاستثمار الأجنبي على قاعدة الندية في التعامل والتثمين للشراكة القائمة بضخ ديناميكية جديدة تضمن مصلحة الطرفين دون مفاضلة وتؤمن استدامة المشروع عبر الاستفادة القصوى من تقنيات الإنتاج الحديثة التي يفترض أن يؤمنها الشريك الأجنبي. وفي رصد لتطلعات وآراء جانب من المشاركين في تظاهرة أيام الشراكة التي نظمتها وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية توقفت "الصباح" عند أمر لافت هو ضخامة حجم بعض المشاريع التي تقترح بعض الشركات الاستثمارية إنجازها في تونس من ذلك أن إحدى أكبر المجموعات الهولندية الرائدة عالميا في قطاع اللحوم الحمراء تربية وتحويلا وترويجا تعتزم تركيز مشروعها في تونس لتكون بوابة نحو السوق العربية والإفريقية لتسويق منتجاتها. وقد قدم ممثلها إلى هذه التظاهرة ليبحث بصفة جادة فرص بعث مشروعه في إطار شراكة مع الطرف التونسي مستعرضا آفاق التشغيل الهامة التي يوفرها في مختلف حلقاته. على بعد خطوات معدودة من هذا الجناح انتصب آخر يحمل علامة إسبانية شهيرة في مجال الإنتاج الزراعي الحراري له تقاليد تعاون راسخة في الاستثمار بالجنوب في إنتاج الطماطم والغلال وأنواع من الخضر وكانت أولى التجارب المعتمدة من هذه المجموعة تندرج في ما يعرف "بالفصل الخامس" وتوفير منتوج بمواصفات جودة عالية بصفة بدرية. تبلغ مساحته المستغلة إلى هذه الفترة 44 هك وأمام نجاح برنامج الشراكة هذا ترغب المجموعة الإسبانية في توسيع نشاطها ومجالات شراكتها إلى مستوى أرفع يمتد في غضون السبع سنوات القادمة على 3 آلاف هك مساحة مستغلة وبقيمة استثمارية تناهز340 مليارا من المليمات مع ما يمثله هذا التوسع الضخم المنشود من مواطن شغل تعدّ بالمئات. مشاريع شراكة على أن الإشكال الأبرز الذي لمّح إليه بعض المستثمرين الأجانب يتمثل في ما تتطلبه مشاريع الشراكة التي يتطلعون إليها من مساحات شاسعة قد لا تتوفر بالحجم المطلوب لدى الباعثين الخواص بحكم تشتت المستغلات وهو ما جعلهم يبحثون عن حاجتهم لدى الجهات العمومية. غير أنه بطرح هذه الملاحظة على وزير الفلاحة محمد بن سالم الذي اختتم فعاليات لقاء الشراكة واستمع بدوره لمختلف المشاركين أشار إلى أنّ مسألة المساحة غير مطروحة باعتبار أنّ المشاركين التونسيين هم أساسا من كبار المستثمرين المالكين لمستغلات كبرى وبالتالي تتوفر لديهم القدرة على احتضان مثل هذه المشاريع. وحول ما بلغنا من بعض المستجوبين التونسيين من رغبة جادة في أن تكون عقود الشراكة التي ستتوج لقاءاتهم الماراطونية قائمة على أساس المصلحة المشتركة وتكريس الاستفادة من تقنيات الإنتاج الحديثة والتجديد في أفكار المشاريع وتغيير عقلية التعامل مع الشريك الأجنبي كممول إلى التطلع للاستفادة بالتوازي من تكنولوجيات الإنتاج والتصنيع قال الوزير "إننا لا نختلف في ذلك ولا أخال أن من مصلحة الشريك الأجنبي غض الطرف عن هذا الجانب مادامت غايته إضفاء جودة عالية على المنتوج وتوفير مردودية مجزية". إلا أنه أضاف بأن التحكم في التقنيات يتطلب بدوره إمكانيات هامة وهو ما يستوجب جلب استثمارات قوية أبرزت لقاءات الأعمال الأخيرة استعداد الشريك الأجنبي على توفيرها ما من شأنه إرسال إشارات إيجابية لمؤسسات التمويل التونسية وأساسا البنوك من أن القطاع الفلاحي قادر على استقطاب التمويلات وضمان مردوديتها ولا موجب بالتالي لرفض دعمه وتمويله بتعلة أنه شديد المخاطرة. وبخصوص صيغة التعامل في مستوى توفير الأرض لإقامة مشاريع الشراكة وعمّا سيكون التفويت هو الحل لتلبية رغبات البعض؟ اعتبر السيد بن سالم أنّ الأمر قد حسم ولا مجال للتفويت في الأراضي التونسية ولا حياد عن هذا التوجه. انتظارات الطرف التونسي ماذا ينتظر الباعث التونسي من المشاركة في مثل هذه التظاهرة ؟ سؤال طرحناه على بعض المستجوبين فكان التأكيد جليا على ضرورة أن تتوج جانب من لقاءات الأعمال الثنائية أو المتعددة بالتجسيم والتفعيل وأن تفتح المجال أمام المستثمر التونسي نحو الأسواق التصديرية بما يدعم مجهود الإنتاج للتصدير. في هذا السياق عبّر الناصر أم هاني فلاح بالرقاب بسيدي بوزيد عن تطلعه لتوسيع نطاق إنتاجه للأسواق الخارجية وهو ما جاء يبحث عنه في هذا اللقاء الذي يأمل أن يتمخض عن مشاريع مجسمة على أرض الواقع وأن تجد وحدة التكييف التي ركزها المساعدة من الدولة لتهيئة محيطها خاصة على مستوى المسالك المؤدية لها. داعيا وزير الفلاحة إلى القيام بزيارة إلى المنطقة للوقوف على مشاغل المنتجين وتطلعاتهم. من جانبها تؤكد زهية بوزويتة باعثة فلاحية بعقارب من ولاية صفاقس على ضرورة الإحاطة بالباعثين من صغار الفلاحين بتكوين خاص في مجالات إدارة الاستثمار وفي بعث المشاريع وتحفيز المجموعات الصغيرة على التجمع وتوحيد استغلال ضيعاتهم لتجاوز عامل تشتت المستغلات المعيق لجلب الاستثمار. وقالت إنها جاءت لتظاهرة أيام الشراكة الفلاحية بحثا عن شركاء ومستثمرين في مجال الفلاحة الإيكولوجية كمشروع متكامل تروم خوضه وتحرص على إنجازه بمنطقة عقارب. وبخصوص الصعوبات التي تواجهها في بعث المشاريع نفت المتحدثة وجودها على مستوى الإدارة المركزية لكنها دعت إلى مزيد العمل على تذليلها على الصعيد المحلي والجهوي لتفادي أي تعطيل يطرأ. من جانبه دعا زاهر مسود أردني مقيم بتونس وممثل مجموعة استثمارية استرالية إلى تغيير العقليات والمفاهيم السائدة في التعاطي مع الاستثمار في القطاع الفلاحي وتجاوز النظرة الضيقة التي توقفت عند حدود الاكتفاء بما يجود به الشريك الأجنبي من تمويلات دون بحث عن التجديد والتثمين المجدي للمشروع أو للنشاط الإنتاجي ووجوب التوظيف الأمثل للطاقات والموارد الطبيعية المتاحة بما في ذلك الجبال والسباخ وتحويلها إلى مصادر استثمار فلاحي مربحة ومواصلة الاستعانة بالكفاءات التونسية حتى بعد الإحالة على التقاعد في المجالات الفلاحية. وأكد أن نظم الإنتاج العصري تقتضي اليوم عدم الاستغناء أو الاستخفاف بأي جزء من المنتوج الزراعي من نواة أو قشور أو أوراق حيث أنها تمثل موادا قابلة لإعادة الاستغلال والتحويل. ويرى المتحدث أن تونس قادرة أن تتحول من دولة جالبة للاستثمار إلى دولة منتجة له إذا ما أحكمت استغلال الموارد والطاقات المتوفرة لديها برؤية جديدة.