رئيس الجمهورية أهان اللغة العربية - اعتبر المؤرخ علي الزيدي النظام التعليمي البورقيبي امتدادا للمشروع الاستعماري الفرنسي عبر استنساخ مشروع جون دوبياس الذي أخذ على عاتقه تصفية التعليم الزيتوني واجتثاث كل مقومات الهوية العربية الإسلامية فيما نعى عالم الاجتماع محمود الذوادي على المجتمع التونسي «تخلفه اللغوي باعتبار استفحال ظاهرة اللغة الهجينة أو اللغة المزدوجة مما حول اللغة العربية إلى لغة مهانة في مضاربها» في ظل غياب ما أسماه بالحصانة اللغوية التي تؤسس لها المدرسة والنظام التعليمي الوطني وبخاصة الاعتزاز النفسي باللغة الوطنية، مستغربا استخدام الرئيس المرزوقي للغة الفرنسية خلال حفل استقبال الرئيس الإيطالي نابوليتانو في قصر قرطاج.ويثير الذوادي في سياق آخر ما أسماه «النفاق اللغوي عبر التنصيص على عروبة المجتمع دستوريا لمجتمع يستهجن لغته أصلاب. المداخلتان العلميتان كانتا موضوع مطارحة تاريخية ومقاربة سوسيولوجية للمشروع الدراسي في مجال التربية والتعليم المنظم من قبل منتدى الفارابي للدراسات والبدائل بصفاقس أول امس الأحد تحت عنوان «التربية والتعليم: شروط الإصلاح والآفاق». تعلّة إستعماريّة لتوحيد التعليم يرى الأستاذ علي الزيدي الباحث في التاريخ التونسي المعاصر أن تونس ورثت بعد الاستقلال نظاما تعليميا مشتتا قوامه التعليم الزيتوني بفروعه الخمسة والتعليم الكتاتيبي والتعليم الصادقي والتعليم الديني للأقلية اليهودية والمدارس التبشيرية، وهو وضع شرع لما سمي بتعلة توحيد التعليم الذي مارسه الاحتلال الفرنسي عبر مشروع المستعرب لويس ماشيوال الذي قدم وصفة تعليمية توفر نظاما تعليميا طائفيا لكافة المكونات ومن ثم تأسيس المدارس «الفرانكوعربية» مستفيدا من تجربة نفور سكان مستعمرة الجزائر من النظام التعليمي الفرنسي. وأفاد الزيدي أن مدرسة صفاقس ظهرت سنة 1884 ومدرسة قرقنة سنة 1888 فيما تصدى الزيتونيون لكل محاولات الإصلاح الفرنسي مطالبين بتعليم تونسي أصلي وأصيل. ورغم تحقق عديد المكاسب التعليمية إبان الحرب العالمية الثانية بتعدد الأروقة التعليمية خلال تلك الحقبة الموسومة بالمشروع الإصلاحي للشيخ محمد الطاهر بن عاشور للتعليم الزيتوني سنة 1945 فإن مسألة توحيد التعليم طرحت بصورة ملحة منذ الاستقلال الداخلي سنة 1955 وهو ما سيعمل على تجسيمه ما يسمى بمشروع المسعدي للعام 1958 بتوصية من الزعيم بورقيبة الذي رفضه المرحوم لمين الشابي. خديعة دوبياس و تصفية الزيتونة كشف المؤرخ علي الزيدي أن عالم الفيزياء الفرنسي جون دوبياس مدير مركز الأبحاث النووية الفرنسية زمن حكم دي غول هو أول من برمج مخططا استعماريا سريا لاجتثاث التعليم الزيتوني في تونس وهو ما كشف عنه عالم الذرة التونسي البشير التركي الذي يملك نسخة أصلية من مشروعه التربوي الاستعماري. جون دوبياس هو أول من وصف اللغة العربية «بالعجز وأنها ليست لغة علوم ولا تصلح لتعليم العلوم الدقيقة» ومن ثم اتهم هذا الرجل التعليم الزيتوني بالثقل وضعف الأداء وأوهم الزيتونيين بإفرادهم بالدراسات الشرعية تمهيدا لعزلهم عن المنظومة التعليمية الجامعية التي أحدث نواتها الأولى بنفسه نسجا على المنوال الفرنسي عبر لجان انتداب فرنسية تقصي الزيتونيين وذوي التعليم والتكوين العربي.. وهو وضع نسج على منواله بورقيبة عبر تبنيه السري لهذا المشروع الاجتثاثي . وهم الإصلاح و إنتاج سلفيّتين: يسارية و يمينية الأستاذ الزيدي لم يخف تأكيده على أن المشروع التعليمي التونسي ليس إلا امتدادا «متونسا» لمشروع دوبياس السري وبسياسات تونسية وساسة تونسيين بل وأشد وفاء للمنهج التغريبي الذي حاكته الدوائر الاستعمارية المنجلية بعد الاستقلال التام سنة 1956.لكنه وصف كل ما أطلق عليه مشاريع إصلاح تربوي «بأنها ليست سوى مسوخ أو هي عمليات ترقيع مدعومة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من الدوائر الامبريالية» حسب وصف رئيس وحدة بحث مثاقفات تونس المتوسطية، متهما وزارة المعارف بعد الاستقلال بالقطع الكلي مع الإرث التراكمي الإصلاحي الذي قدمه زعماء التحديث والإصلاح على غرار الشيوخ قبادو والثعالبي وبن عاشور وباش حامبة.. بوصف تلك الوزارة «امتدادا برامجيا لمشروع دوبياس الامبريالي بيد أن مردودية المدرسة التونسية إلى حدود الستينات ليست سوى امتداد لذلك الأثر التراكمي الإصلاحي وليس بحال من الأحوال جدوى مشروع»..لذلك كانت مرحلة التعاضد بداية الانهيار التربوي في تونس التي وضعت التعليم التونسي على أطلال خرباء حسب وصف الباحث علي الزيدي. باعتبار وقوع التعليم نهبا للصراعات الإيديولوجية والتجاذبات الفرانكو يسارية الذي دشن مرحلة إنتاج السلفيات اليسارية واليمينة التي أعقبتها مرحلة التصحر المعرفي والانجراف الفكري خلال الحقبة النوفمبرية. عودة الزيتونة لا يستبعد الأستاذ الزيدي أن تكون المسألة التربوية على رأس أولويات الإصلاح بعد الثورة لمدرسة خالية الوفاض يحمل مرتادوها أسفارهم دون تشبع معرفي أو قيمي.. داعيا في هذا الصدد إلى إعادة الاعتبار للتعليم الزيتوني وإصلاح نظمه ومقرراته واختصاصاته والاستفادة من تجربة جامعة الأزهر التي لا تكتفي بتدريس العلوم الشرعية فحسب بل وأيضا كافة الاختصاصات العلمية والهندسية والتكنولوجية واللغات والآداب مع حضور معتبر للعلوم والدراسات الشرعية ضمن المقررات في مقاربة تضمن التكامل بين العقل والروح، رغم أن اغلب الإصلاحات التي طالت التعليم الزيتوني قبل الاستقلال تفوقت على التعليم الأزهري وهو ما صرح به المصلح محمد عبده خلال زيارته لتونس.. وهو نموذج دارج اليوم في الجامعات الماليزية والتركية وغيرها من جامعات الدول العربية والإسلامية وللزيتونة فضل السبق عليها. على حد تعبيره. العربيّة لغة مهانة في تونس في امتداد لهذا التوصيف التاريخي قدم مبتكر «نظرية الرموز الثقافية» عالم الاجتماع التونسي محمود الذوادي مقاربته السوسيولوجية للمسألة اللغوية في تونس من وجهة نفسية واجتماعية والتي تحمل طابعا مأسويا وفوضويا لما اعتبره «احتقارا ونظرة دونية للغة الأم من قطاعات واسعة من المجتمع التونسي ولا سيما مثقفيه وبخاصة نساؤه بفعل ما يعتبر وجها آخر من وجوه التخلف الآخر الذي تفرزه ظاهرة الازدواج اللغوي والازدواجية اللغوية الأنثوية».. وإذا كانت اللغة أم الرموز الثقافية ومدارها جميعا ذات ارتباط عميق بالهوية والشخصية الأساسية فإن المجتمع التونسي ووفق نتائج البحوث النظرية والميدانية التي أجراها الذوادي لا يتمتع بسيادته اللغوية على غرار المجتمعات الجرمانية والإنجليزية أو حتى المجتمعات متعددة اللغات أو الهويات الثقافية. ويكشف الذوادي عن أن 95 % من التونسيين يعمرون صكوكهم باللغة الفرنسية بل ويعيبون على من يسجل بياناته باللغة العربية وهو ما أسماه المقلوب الرمزي، كما أن التونسي لا يستطيع التحدث ولا يجرؤ على الحديث لمدة ربع ساعة باللغة العربية وهذا العجز يعود إلى اختلالات نفسية لأن السيادة اللغوية تعني استخدامها في كافة السياقات والأوضاع مع نطقها وكتابتها بطريقة سليمة دون لكنة أو تلعثم أو تردد..ولم يخف الذوادي في هذا السياق استغرابه من استخدام الرئيس المرزوقي للغة الفرنسية خلال حفل استقبال الرئيس الإيطالي نابوليتانو خلال زيارته الأخيرة إلى بلادنا وفي قصر قرطاج، رغم أننا الطرف المضيف والأحرى باستخدام لغته الوطنية دونما عقد..ويقول الباحث إن العلاقات العمودية باللغة من قبل النخبة تفيد أن الأنتلجنسيا التونسية هي الأكثر إهانة للغتها الوطنية من حيث استخدامها للغة هجينة أو مزدوجة أو غريبة كليا حيث تفتقد الحماسة أو الحميمية تجاه لغتها الأم في ظل تآمرها النفسي، وهذا مظهر من مظاهر التخلف الآخر حسب اعتقاده، لأن الشعوب التي أقلعت اقتصاديا وتقدمت تصالحت قبل كل شيء مع لغتها الوطنية مثل اليابان وماليزيا وكوريا.. ويعرّي الدكتور محمود الذوادي ما أسماه ب»النفاق اللغوي» الذي يمارسه ساستنا ولا سيما أعضاء المجلس التأسيسي عبر التأصيل النظري للغة الوطنية وضمن البند الأول من الدستور دونما تأصيل اجتماعي يشرع ويعمم لاستخدامات اللغة الوطنية في معيشنا اليومي منددا بالتعريب التخريبي المنفر من اللغة العربية واستخداماتها في كافة القطاعات وبخاصة التعليمية والتعلّمية.