ات من الواضح أن الفساد في تونس شبكة عنكبوتية يصعب اقتفاء أثره ناهيك عن محاسبة رموزه.. وكل يوم يمضي ندرك أن الأسماء المتهمة بالفساد والتي يتداولها الشارع التونسي ويتابع أخبارها قضائيا ليست إلا غيضا من فيض الفساد وهي الواجهة «الشهيرة» التي تخفي أعمال المفسدين الذين تحصّنوا بالمخلوع لتحقيق مآربهم في نهب المال العام.. حصلنا عن طريق مصادرنا على عناصر إدانة أحد المقربين من النظام الذي استغل علاقته بالمخلوع ليعيث في البلاد فسادا ورغم أنه لم يكن من مشاهير المفسدين إلا أن ما كشفته عدة مصادر ومنها لجنة تقصّي الحقائق حول الفساد والرشوة تدفعنا إلى نتيجة مفادها أنه كان صديقا مقربا لكنه «خفي» لبن علي كما جمعته مع بلحسن الطرابلسي علاقات عمل ومصالح مع بلحسن الطرابلسي خاصّة في قضية ما يعرف بإسمنت قرطاج. إسمنت قرطاج.. الصّفقة التي أسالت لعاب المخلوع كشفت لجنة تقصّي الحقائق (ل.س) أو الملقب ب»الملك» من قبل «حاشيته» أنه راسل بتاريخ 13 جوان 2006 وزير الصناعة آنذاك يعرب عن نيته في بعث مصنع إسمنت مع شركة ألمانية بطاقة إنتاج سنوية بحوالي مليون طن لكن وزير الصناعة في 2007 كان يعتزم بعث مشروع يتمثل في مصنع للإسمنت بمدينة قفصة بطاقة إنتاج تقدّر ب1 مليون طن في السنة وبمساهمة من شركة فسفاط قفصة ومجمع إسباني وتكون بداية الأشغال في 2008 لكن رئيس الجمهورية أعطى تعليمات كتابية «بالتريّث» في خصوص هذا المشروع ولكن الحقيقة هو أن بن علي أراد تفضيل مشروع إسمنت قرطاج على حساب هذا المشروع الذي قد ينهض بالتنمية الجهوية في مدينة قفصة ويمنحها إشعاعا اقتصاديا وذلك لسبب بسيط أن شريك الملك (ل.س) في مصنع إسمنت قرطاج هو صهر المخلوع بلحسن الطرابلسي وبناء على موافقة رئيس الجمهورية السابق راسلت وزارة الصناعة في 7 جانفي 2008 شركة المقاطع الكبرى للشمال لصاحبها (ل.س) تعلمه بالموافقة بخصوص بناء واستغلال مصنع إسمنت قرطاج بطاقة إنتاج 1 مليون طن. وما يستشف من ذلك أن المخلوع قد استغل منصبه لتفضيل مشروع إسمنت قرطاج لباعثيه (ل.س) وصهره بلحسن الطرابلسي وشركاته على حساب مشروع قفصة الذي شهد تأخيرا هاما في الإنجاز مقارنة بما كان متوقعا بسبب استغلال المخلوع لمنصبه وتفضيله للمصالح الشخصية من خلال الترفيع في طاقة الإنتاج لمصنع إسمنت قرطاج والتأخير في إسناد الترخيص لمصنع قفصة.. إستثمارات أجنبيّة مضمّنة بالعقود.. لكنّها وهميّة ! و منذ تاريخ إسناد الرخصة في جانفي 2008، تسارعت الأحداث بما يتماشى ومصالح باعثي المشروع إذ قام (ل.س) بمراسلة المخلوع بتاريخ 15 فيفري مباشرة دون المرور بوزارة الصناعة طالبا منه الترفيع في طاقة الإنتاج من 1 إلى 1.76 مليون طن في السنة، وبالرغم من أن الترخيص لم يتمّ استغلاله بعد.. وتمّت الاستجابة لهذا ذلك حسب المذكرة المعدة من قبل وزارة الصناعة في 10 مارس 2008 بمجرّد دخول بلحسن الطرابلسي كشريك مع (ل.س) حيث تمّ إحداث عدّة شركات بينها مكتب الأخيرة من إدراج شركة إسمنت قرطاج بالبورصة.. وتجدر الإشارة إلى أن مستشار الرئيس السابق (م.ص) أشار في المذكرة المؤرخة في 20 أوت 2010 التي عرضها على أنظار الرئيس السابق بخصوص طلب امتيازات لفائدة إسمنت قرطاج «أن عديد البلدان تطلب مقابلا ماليا مرتفعا لقاء إسناد رخصة إنتاج الاسمنت».. ويستشف من ذلك أن الترخيص المسند لإحداث مصنع إسمنت جبل الرصاص كان مقابل دخول بلحسن الطرابلسي ومجمع كرطاقو في المشروع وفي فيفري 2009 سعى بلحسن الطرابلسي إلى إدخال شريك أجنبي في المشروع غير أن لجنة تقصّي الحقائق كشفت أن هذه المساهمة الأجنبية تبدو مشبوهة وتعود في الواقع إلى بلحسن الطرابلسي إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه ليس بالإمكان معرفة هوية المستثمر الأجنبي، خاصّة وأنه لم يحضر أي ممثل عن هذه الشركة الأجنبية والمسجلة بالجزر البريطانية. طرح للدّيون المتخلّدة.. و البنوك تدفع مليارات في يوم واحد تمتع «الملك» والشركات التابعة له بطرح الديون المتخلدة لفائدة عدة بنوك وخاصة منها الشركة التونسية للبنك حسب ما ذكره تقرير لجنة تقصّي الحقائق وذلك استعدادا لإدراج شركة إسمنت قرطاج بالبورصة والحصول على تمويل بنكي لبناء مصنع الإسمنت وخيرت أربعة بنوك تونسية وخاصة العمومية خيرت إسقاط جزء هام من الديون أن يكون هناك موجب حيث لم تكن شركات (ل.س) تمرّ بصعوبات اقتصادية ومحل متابعة من النيابة العمومية.. وفي وثيقة تحصّلنا عليها وهي عبارة عن نسخة لشهادة ملكية تبيّن لنا أن «الملك» حصل على 21 قرضا تقدّر بمئات المليارات في يوم 05-06-2009 من بنوك مختلفة ومنها العمومية والتي مكنه بعضها من عدد القروض المختلفة في يوم واحد.. ورغم أن ذلك يجوز في الصفقات الكبرى حيث تعمد البنوك إلى توزيع القروض بينها حتى لا يتحمّل فرد واحد وقع الخسارة خاصّة إذا كان القرض الكبير ورغم أن (ل.س) قدّم إزاء هذه القروض رهن اختيار إلا أنه حسب تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة يشير في أكثر من موضع أن «الملك» استفاد من علاقة الصداقة والشراكة التي تجمعه برموز النظام البائد.