هل يمكن اعتبار استقالة محمد عبو و«إرجاعه» حقيبة وزارة الاصلاح الاداري الى رئيس حكومته حمادي الجبالي ملفا منتهيا ومغلقا؟ وهل أن هذه الاستقالة تنتهي بما كان صرح به السيد عبو في ندوته الصحفية بأن الفساد كبير والصلاحيات الممنوحة له صغيرة تحول دون تحقيق إصلاحات ضرورية في الإدارة التونسية. ونسلّم بالسبب المعلن ونغلق الباب؟ الأكيد أن ما قاله محمد عبّو فيه الكثير من الصدق وأن ما أعلنه كان الجميع مدركا له منذ تشكيل الحكومة.. ومعركة الصلاحيات مثلما أثيرت على العلن فيما يتعلق بالرئيس المؤقت محمد منصف المرزوقي فإنها أثيرت كذلك فيما يتعلق بعدد من الحقائب الوزارية على غرار حقيبة الإصلاح الإداري.. وهو أمر معلوم منذ تشكيل الحكومة لكن محمد عبو الذي كان يأمل قبل ذلك في حقيبة وزارة الداخلية أو وزارة العدل ولا ثالث لهما ارتضى في النهاية بخطة وزير مكلف بالإصلاح الاداري في مهمة متداخلة بشكل كبير مع رئاسة الحكومة ومع جل الوزارات الاخرى التي لن يرتضي أصحابها بتدخل وزير آخر في ملفاتهم. خاصة أن محمد عبو أكد ان النقطة التي افاضت الكأس هي رفض رئيس الحكومة حمادي الجبالي الاستجابة لطلبه إحداث لجنة لمراقبة الأداء الإداري ومقاومة الفساد. صلاحيات عبو صلاحيات محمد عبو كانت منذ البداية واضحة والحقيبة التي منحت له تبدو نظريا هامة لكن تطبيقيا تبدو مستحيلة، لذلك اكتفى عبو في الأخير بتقديم مشروع اصلاح التوقيت الاداري وهو كما يعلم الجميع مشروع قديم أعده زهير المظفر لكنه بقي في درج الوزارة بعد أن كشفت وسائل الاعلام (وكان السبق لجريدة الصباح وقتها) تفاصيله بالتدقيق قبل أن يعرض على الرئيس المخلوع (وهو ما يعتبر جريمة في العهد السابق). كما اكتفى عبو بتقديم قضايا عدلية ضد بعض المسؤولين السابقين على غرار ملف «تونس الجوية» واحالة عدد من الرؤساء المديرين السابقين لهذه الشركة على القضاء وكذلك القضية التي رفعها ضد نائب محافظ البنك المركزي ابراهيم سعادة بتهمة منحه صفة عدم الاقامة لمحمد صخر الماطري مما يمكنه من التمتع بعديد الامتيازات المخصصة للتونسيين المقيمين بالخارج وخاصة في مجال مسك وتحويل العملة قبل أن يسحب عبو شكواهباعتبار أن صخر الماطري منح صفة «عدم مقيم» منذ 29 جوان 2006 ووقتها لم يكن ابراهيم سعادة في البنك المركزي الذي دخله فقط في مارس 2010. انهيار في الائتلاف ويذكر أن عبو هدّد كم من مرة بتقديم استقالته وبقي كم من مرة في منزله لأيام دون التحول الى الوزارة احتجاجا على «صلوحياته الغائبة»، لكنه يعود في النهاية الى كرسي الوزارة بعد أن يتلقى تطمينات من رئاسة الحكومة بتوسيع صلاحياته لمقاومة الفساد الاداري. استقالة وزير الإصلاح الإداري يرى البعض أنها يمكن أن تهدّد بانهيار في الائتلاف الحاكم في ظل التوتر الحاصل اليوم بين الرئاسة التي يسيطر عليها حزب «المؤتمر» الذي ينتمي اليه عبو والحكومة التي تسيطر عليها النهضة. لكن يبدو أن هذه الاستقالة لن تؤثر في شيء في عمل الحكومة خاصة في ظل تأكيدات أطراف في رئاسة الحكومة أن خروج عبو لن يؤثر في شيء على الملفات التي كانت بحوزته والتي ستؤول مباشرة الى رئيس الحكومة ولن يتم تعيين خليفة للوزير المستقيل وهو دليل آخر يؤكد ما ذهب اليه هذا الأخير ويؤكد ان صلاحيات هذه الوزارة كانت وستبقى بيد رئاسة الحكومة. موقف شجاع أم انخراط في خطة؟ بعض خبراء السياسة لم يعطوا أهمية كبرى لاستقالة الوزير واعتبروها مجرد حلقة من حلقات الصراع المعلن والخفي بين مؤسستي الرئاسة والحكومة. وأن الاستقالة غير بريئة بل مخطط لها وان احتمالات ترشيح محمد عبو لخلافة المنصف المرزوقي واردة جدا في ظل التجاذبات والخلاف الكبير حول ملف البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي السابق وما رافق الملف من تجاذبات وحملات تكذيب بين المرزوقي والجبالي وصلت الى حد المساءلة أمام المجلس التأسيسي وتخللها رد فعل من المرزوقي بإقالة مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي وهو ملف ربما ينهي العلاقة نهائيا بين الطرفين في صورة رفض الحكومة ومن ورائها المجلس التأسيسي لقرار المرزوقي وهو ما يعني نهاية الرئيس المؤقت سياسيا واحتمال استقالته. وفي هذه الحالة فان البديل سيكون بالطبع محمد عبو الذي يحتل اليوم منصب الامين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وهو المنصب الذي يفتح أمامه المجال واسعا للتربع على عرش قصر قرطاج باعتبار ان الاتفاق بين «الترويكا» يقضي بأن تكون الحكومة بيد «النهضة» والرئاسة بيد «المؤتمر» والتأسيسي بيد «التكتل». وما يرجح فرضية اقتراب محمد عبو من كرسي الرئاسة هو أنه من المقربين من حركة «النهضة» مثله مثل أغلب قيادات حزب «المؤتمر». وقد عرف على عبو -المناضل الحقوقي والمحامي الذي دخل السجن في عهد الرئيس المخلوع وأول من خاط فمه داخل السجن احتجاجا على القمع ومنع الحريات- دفاعه المستميت عن التحالف مع «النهضة» في تشكيل الحكومة الحالية ودفاعه عن توجهات «المؤتمر» السياسية التي وصفت بأنها وضعت الحزب في ركاب «النهضة» مما أدى الى موجة انتقادات واستقالات في صفوفه انتهت بانسحابات وتفكك صلب حزب «المؤتمر». وإضافة الى ملف البغدادي المحمودي وملف مصطفى كمال النابلي ، فان بداية الغضب على المرزوقي من قبل الحكومة وحركة النهضة هو سماحه لمستشاريه بانتقاد الحكومة وعملها في مواقف «ثورجية» طالبوا فيها بحل الحكومة وتشكيل حكومة وفاق وطني. وهو موقف إعتبر مسا من الحكومة ومن التحالف الثلاثي واعتداء من رجال المرزوقي (وأغلبهم من المؤتمر) على رئاسة الحكومة وممثليها. خلافات بدت سابقة لأوانها رغم أن البعض توقعها من قبل نظرا للاختلافات الايديولوجية بين فرقاء وحدّهم هدف تشكيل «أغلبية» حاكمة والتصدي للتجمعيين السابقين والمقربين منهم رغم اختلافاتهم المذهبية بين حزب إسلامي «النهضة» وعلمانية مطعمّة «المؤتمر» وعلمانية يسارية «التكتل».. وأمام عدم خطورة مواقف مصطفى بن جعفر وحزبه «التكتل» كان لا بد من مراجعة الحسابات مع «المؤتمر» ومؤسسة الرئاسة.. ومراجعة الحساب تقتضي تقوية عود «الابن البار» محمد عبو عبر موقف «بطولي» ثم تكليفه بمؤسسة الرئاسة ولو كانت كذلك «بصلاحيات منقوصة».. وبذلك تعود هيمنة»النهضة» الكلية على القرارات والتوجهات.. وجهة نظر تؤكدها الحيثيات ويمكن أن تكذبها الأيام وحسابات الانتخابات القادمة.