أعادت مشاهد تحطيم مواقع أضرحة الأولياء والمزارات وحتى المساجد في مالي وتحديدا في مدينة تمبكتو إلى الأذهان مشاهد مماثلة عندما أقدمت حركة «طالبان» الأفغانية على تحطيم تمثالين في إقليم باميان يعود وجودهما إلى أكثر من ألفي سنة وذلك برغم كل الاصوات التي ارتفعت مناشدة الحركة عدم تنفيذ تهديداتها والحفاظ على التمثالين، لا كجزء من الذاكرة التاريخية والحضارية الأفغانية فحسب، ولكن أيضا كجزء من التراث العالمي... واليوم تعود ميليشيات مسلحة في تمبكتو المالية إلى تكرار المشهد تحت شعار الاستجابة للواجب الديني... مالي اليوم ميدان مفتوح للمسلحين والمتشددين ممن وجدوا في حالة الفراغ الامني والسياسي واندثار مفهوم السيادة وهيبة الدولة المفقودة والصراع بين الطوارق والاسلاميين المتشددين مرتعا لتنفيذ مخططات وأفكار معادية كل العداء لإنسانية الانسان وحريته وكرامته ومدنيته، والخطر الماثل في مالي لن يتوقف عند حدود هذا البلد الشاسع، بل ان في الاخبار المتواترة والتقارير عن تشابك العلاقات والمصالح والاهداف التدميرية بين جماعة «أنصار الدين» المعادية للدين، وجماعة «بوكو حرام» النيجيرية التي تحرم العلوم والمعارف، وشبكة القاعدة في شمال إفريقيا، ما يدعو إلى عدم تجاهل هذا الخطر أو الاستخفاف بوجود هذه الحركات في افريقيا، اذ الواضح انه وبرغم إصرار هذه الحركات على الظهور بمظهر المعادي لكل ما يرتبط بحضارة الغرب في مظهرها وفي طريقة تعاملها مع العقل البشري ومع الحقوق المشروعة للمرأة كجزء من المجتمع فإنها في المقابل لا تتوانى عن اللجوء إلى استعمال واستغلال كل أنواع السلاح وكل وسائل الاتصال المتطورة لاستيلاب العقول واستقطاب الشباب والمراهقين في صفوفها واستغلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية التي يمرون بها... أفغنة مالي تتواصل بخطى حثيثة وتلويح الاتحاد الافريقي بالتدخل عسكريا لن يرهب الجماعات الاسلامية ولن يمنع ذلك... على أن الحقيقة هي أن الهجوم الهمجي الذي تعرض له الرئيس المالي المؤقت دينكوندا تراوري في مكتبه وتحت أنظار حرسه الخاص الذين عجزوا عن حمايته كان حدثا طبيعيا في بلد يعيش على قانون الغاب حيث الفقر والتخلف والجوع سيد المشهد الامر الذي ساعد على نجاح الانقلابات العسكرية وامتداد الطوارق العائدين إلى المنطقة بعد سقوط نظام القذافي ومنها إلى ظهور الحركات المسلحة واستفاقة المتشددين الذين خرجوا كالفقاع لاكتساح الموقع بعد أن تسلحوا من خزائن ليبيا للسلاح المهجورة واستهدفوا الضعفاء وسخروا الدين لغايات شخصية ضيقة واستغلوا الشريعة بما لا يمكن أن يرقى إلى أهداف الشريعة في شيء. مالي التي كانت في التاريخ جزءا من ثلاث امبراطوريات افريقية غربية سيطرت على التجارة عبر الحدود تبدو اليوم أقرب إلى غابة وحوش تتربص بكل ما هو آدمي حتى أن العقل البشري يقف عاجزا في فهم الاسباب والدوافع التي يمكن أن تدفع بمن يسمون أنفسهم أنصار الدين لهدم الأضرحة واستهداف المساجد وتدمير أجزاء منها كما حدث في مسجد سيدي يحيى الذي يعود إلى القرن الخامس عشر أو غير ذلك من المواقع الأثرية في مالي وفي مدينة تمبكتو التي تعرف بمدينة الأضرحة وهي العاصمة الثقافية والتراثية لمالي بالنظر إلى ما تضمّه من متاحف ومساجد ومواقع أثرية وكنوز تاريخية. الواقع أنه ليس هناك أضعف ولا أخسّ ولا أجبن من تدنيس المواقع الأثرية والأضرحة واستهداف المقابر.. بل الحقيقة أنه كان أولى بمن يسمون أنفسهم «أنصار الدين» -علما وأن الدين كان وسيظل في غنى عن نصرتهم أو دعمهم- ويعمدون بذلك إلى تصفية الذاكرة وإلغاء الهوية البشرية لأجيال كاملة، أن يلقبوا أنفسهم بأعداء الدين... آسيا العتروس