تمسك الرئاسات الثلاث في الائتلاف الحاكم وغالبية أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بترشيح الأستاذ الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي تطور سياسي مهم جدا وطنيا.. بل قد يكون هذا الحدث الأول من نوعه وطنيا منذ 14 جانفي 2011 وانتخابات 23 أكتوبر الذي تقوم فيه « المعارضة الراديكالية « السابقة لنظام بورقيبة بن علي باختيار وزير سابق كبير وشخصية تولت مسؤوليات سياسية مهمة على رأس مؤسسة سيادية وإن كانت ذات صبغة اقتصادية .. * لا أحد يشكك في الخبرة الطويلة للسيد الشاذلي العياري علميا واقتصاديا.. وطنيا ودوليا.. رغم التحفظات التي قدمها البعض على ترشيحه ومن بينها تقدمه النسبي في السن ..
* ولا أحد يشك في كون الملفات الاقتصادية والنقدية الفنية السياسية ستدرس أساسا من قبل الخبراء وكبار المسؤولين في البنك المركزي والذين يشهد الجميع بخبرتهم.. أي أن دور المحافظ أساسا تنسيقي ورمزي.. إلى جانب تقديمه ضمانات معنوية لصناع القرار في البنك العالمي والمؤسسات المالية الدولية.. * لكن من خلال السيرة الذاتية التي قدمها الوزير رضا السعيدي مستشار رئيس الحكومة حمادي الجبالي عن السيد الشاذلي العياري يتضح أن وزراء حزب النهضة والترويكا يعلمون جيدا أن المحافظ الجديد تولى حقائب وزارية سياسية من الحجم الكبير في عهد بورقيبة.. ثم مسؤوليات دقيقة في عهد بن علي من بينها عضوية مجلس المستشارين ضمن «قائمة رئيس الجمهورية» (الى ما بعد 14 جانفي 2011) ومركز الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية.. الى جانب مشاركاته في انشطة مراكز الدراسات والأبحاث والنشر في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي.. مثلما ساهم في أنشطة الاحزاب القانونية « المعتدلة « مثل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين (جناح اسماعيل بولحية)..
* هذا التطور السياسي الكبير قد يكون امتدادا طبيعيا لتصريحات عبر عنها السيدان راشد الغنوشي وحمادي الجبالي في الجلستين الافتتاحية والختامية لمؤتمر النهضة.. نصت خاصة عن مسار جديد للمصالحة الوطنية و»التسوية مع» رموز الفساد بعد انصاف المظلومين.. * ولعل أكثر الأسئلة الحاحا اليوم: هل تكون هذه «الخطوة» رسالة سياسية من قيادة الترويكا والاغلبية التابعة للنهضة فحواها أن البلد مقبل على مرحلة الانفتاح على كل كفاءاته الوطنية وعلى خبراته التي لم تتورط في سرقة أموال الشعب وإن كانت تحملت مسؤوليات سياسية في عهدي بورقيبة وبن علي؟ قد يكون من السابق لأوانه تقديم إجابة قطعية.. لكن لن يشكك أحد في كون المسؤوليات العلمية والاقتصادية والسياسية الوطنية والدولية التي تولاها السيد الشاذلي العياري في عهدي بورقيبة وبن علي ما كانت لتحصل لولا الضوء الاخضر السياسي والأمني الذي كان لابد لكل مرشح أن يحصل عليه من أعلى هرم السلطة.. عسى أن تكون « مبادرة أمس « مؤشرات على كون قيادات الترويكا انخرطت فعلا في مسار وطني «للبناء والانصاف والمصالحة « يذكر بمسارات نلسون مانديلا في جنوب افريقيا وخيارات زعماء ثورات اسبانيا والبرتغال والشيلي واندونيسيا.. بما يعني قطعا مع مسارات «التشفي» و»تصفية الحسابات» التي جربها الاشقاء العراقيون بعد 2003 والايرانيون بعد ثورة 1979 ثم اكتشفوا عقمها فتراجعوا عنها..