كلّما أقمنا مهرجانا جديدا في بلادنا إلا وكان انتصارا حقيقيّا. ففي فترة انتقالية صعبة وفي فترة جدّ دقيقة نعيشها منذ انتصار الثورة الشعبية حيث تتوجّه الإهتمامات إلى كل ما هو سياسي تصبح المبادرات في المجال الثقافي عبارة عن مغامرة بأتم معنى الكلمة. فإن كانت البلدان النامية في الفترات العادية تعتبر الثقافة كماليّات والحال أن هذه البلدان ومن بينها تونس تملك من الإمكانيات في المجال الثقافي ما يجعلها تستخدمها لفائدة المشاريع التنموية بشكل جيد فما بالك إن كانت الفترة استثنائية والمرحلة انتقالية كما يحدث في بلادنا. العقول اليوم منشغلة عن الثقافي بماهو سياسي أضف إلى ذلك أن بعض التشكيلات السياسية في البلاد لم تخف عداوتها للثقافة باسم المعتقدات الدينية إلخ... ولكن لحسن الحظ فإن كل ذلك لم يفل من عزم عدد من التونسيين من أصحاب المبادرات الثقافية الذين يحاولون جهدهم ضخ الدماء في المشهد الثقافي وبث الروح في الساحة الثقافية رغم الصعوبات ورغم الوضع الإستثنائي وحالة الإنتظار والترقب التي يعيشها التونسيّون وقد أوشك العام الأول على انتخابات 23 أكتوبر2011 على الإنتهاء. وفي هذا السياق تنتظم الدورة 19 لمهرجان أكتوبر الموسيقي بالأكروبوليوم والتي من المفروض أنها تتفتح ليلة أمس 9 أكتوبر الجاري بعرض لموسيقى"الفادو "الموسيقى التي تم تسجيلها على قائمة التراث الثقافي العالمي اللاّمادي بمشاركة كل من "خوسي داك امارا "و"لويس ميغال بيتيسكا "و"ماريو جورج ايسترمونهو" و"فيليب ديارت سيلفا" وكلهم من البرتغال. مهرجان أكتوبر الموسيقي أو هذه الجرعة من الأوكسيجين في محيط محكوم بالمشاغل السياسية جاء ببادرة من مصطفى العقبي الذي يعود له الفضل في تحويل المكان ( كنيسة سان لويس سابقا) إلى فضاء ثقافي يهدي الجمهور مهرجانا للموسيقى الكلاسيكية التي سرعان ما تبيّن أن لها جمهورا محترم العدد في تونس ونحن لا نعني فقط الجمهور المتكون من الأجانب المقيمين بتونس أو السياح وإنما نعني كذلك التونسيين الذين اثبتوا أن ذائقتهم الفنية لا يرق إليها الشك وهم من المنفتحين على مختلف الألوان الموسيقية والفنية عموما. بعد "الفادو" روائع الأسماء الساطعة في الموسيقى الكلاسيكية في برنامج الليلة سهرة موسيقيّة فرنسية من آداء الثنائي"ميشال دا لبيرتو" العازف على آلة البيانو و"جيرار كوسي"على آلة الآلطو. وفي برنامج السهرة قطع من روائع المعزوفات لأكبر الاسماء الساطعة في الموسيقى الكلاسيكية على غرار كل من "باخ "و"شوبان" و"بيتهوفن" وغيرهم. أما سهرة الغد فستكون اسبانية ومن آداء الثنائي "بابلو سارزاتي" تليها سهرة أرجنتينية ليلة الجمعة بامضاء "مارسيلا رودجيري" و"فلوران هيو" ويستأنف المهرجان سهراته ليلة الأحد بعرض ايطالي وتشكيلة من فناني مسرح أوبيرا روما الذين يؤدون مقاطع من الأغاني التي تشتهر بها الأوبيرا الإيطالية. وتتوالى السهرات روسية(الثنائي ماريا نمتوزوفا وفيتالي فاتيليا) وبلجيكية(هوغ نافاز) وهولندية(مجموعة شارنتون) ويابانية(ثلاثي مختص في العزف التقليدي) وبولونية(مجموعة الأكارديون الحر) وكندية(عازفة البيانو ميلينا تريفونوفا) ونمساوية(ثلاثيليتشنتول). ويشارك المعهد العالي للموسيقى بصفاقس في الدورة الجديدة لأكتوبر الموسيقى بالأكروبوليوم بقرطاج بعرض بإدارة "أندريا غريغوراس" ومشاركة عازف الكمان الأول "بوغدان غريغوراس". العرض مبرمج لسهرة الثلاثاء 23 أكتوبر الجاري تليه سهرة الإختتام التي توافق ليلة الإربعاء 24 أكتوبر بامضاء "سافان سبورسل" عازف الكمان التشيكي الذي ووفق ما أكدته إدارة المهرجان يعتبر المثال الأكثر تعبيرا عن الجيل الجديد لعازفي الكمان بتشيكيا والذي يصفه النقاد بأنه موهبة لا تتكرر إلا مرة واحدة في القرن.