احرق ملثمون فجر أمس الثلاثاء وخربوا مقام الولية الصالحة السيدة المنوبية معتقدين أنهم يجاهدون في سبيل الله بحرقهم للمصاحف ولهدايا يتبرع بها الناس فتجمع وتباع ويذهب ريعها للمشاريع الخيرية ولسد احتياجات عدد من الفقراء والمعدمين ولتوفير مستلزمات دراسة آلاف التلاميذ. إننا نتفق مع هؤلاء في الإيمان والتصديق بقول الله تعالى في سورة الزمر السورة 39:" إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ". ولكننا نخالفهم الرأي في اعتقادهم بان التونسيين اليوم يعبدون الأولياء الصالحين فنحن مسلمون نؤمن بالله وباليوم الآخر وبما جاء في كتابه العزيز ولا احد يمكن ان يزايد علينا في هذا المضمار.. والتونسيون يتعلقون اليوم ويحترمون الأولياء الصالحين ويجلونهم احترامهم وإجلالهم للعلم وللعمل الصالح ولأصحاب الأعمال الخيرية. واغلب الأولياء الصالحين في بلادنا وأشهرهم هم في الحقيقة من العلماء والذين تفقهوا في الإسلام والخيرين وبعضهم مدفون في أماكن بعيدة جدا عن المقامات التي تحمل أسماءهم وبعضهم له أكثر من ضريح في اغلب البلدان العربية تقريبا. لقد انتهى زمن تقديسهم او الالتجاء لهم دون الله وكل ما في الآمر ان أضرحة الأولياء الصالحين اليوم دخلت في الموروث الحضاري والتاريخي للشعب التونسي وان الأموال التي يتبرع بها زائروها تستغل في المشاريع الخيرية وبناء المدارس والمستشفيات وتمنح منها جرايات للأرامل ومساعدات للأيام. كما انها كانت ومازالت آماكن يكثر فيها ذكر الله ويرتل فيها القرآن في المصاحف التي قد لا تتوفر في البيوت ولا يتمكن أصحابها من حفظها من التلف. ولعل هذا ما سبب حالة الاستياء القصوى لدى من يقطنون في محيط المقام. ثم ان للسيدة المنوبية مكانة خاصة لدى أصيلي العاصمة ظل ذكرها طيب منذ القرن الثالث عشر ميلادي وكانت متصوفة ذائبة في حب الله متعلمة محبة للحرية مكافحة من اجل نشر رسالة الإسلام وداعية لتوحيد الله وعالمة بأحكام القرآن الكريم.عملت طيلة حياتها على إعانة الفقراء والمساكين وكانت تكسب قوتها بعرق جبينها وتكتفي منه بقوت يومها. والتونسي اليوم وقد وصل إلى ما وصل إليه من علم وتحضر ومدنية محصن من فكرة الإيمان بالأولياء الصالحين ومن اتخاذ هؤلاء الأموات الذين لا يملكون لنا او لأنفسهم ضرا ولا نفعا كشركاء لله في ملكه وكل ما في الأمر انه أصبحت لهذه المقامات صبغة اجتماعية إضافة إلى قيمتها التاريخية والحضارية.