أي أهمية ستحظى بها مسألة تمويل الحملة الإنتخابية القادمة ومراقبتها في خضم النقاشات التي يشهدها هذه الأيام المجلس الوطني التأسيسي حول مشروع قانون هيئة الإنتخابات وما سيدور فيما بعد حول القانون الإنتخابي الجديد؟ وهل سيقع الأخذ بعين الإعتبار ويوضع في الحسبان عند صياغة التشريعات والقوانين الجديدة." لقد صدر التقرير العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملة الإنتخابية لعضوية المجلس الوطني التأسيسي"عن دائرة المحاسبات في شهر جويلية 2012. هذا التقرير صدر في 168 صفحة وتضمن أدق التفاصيل حول مراقبة تمويل الحملة الإنتخابية الفارطة مع إدراج العديد من التوصيات لتجنب الثغرات القانونية التي تضمنهما المرسومين عدد 35 لسنة 2001 المؤرخ في 10ماي 2011 والمتعلق بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي والمرسوم عدد 91 لسنة 2011 المؤرخ في 29 سبتمبر 2011 والمتعلق باجراءات وصيغ ممارسة رقابة دائرة المحاسبات على تمويل الإنتخابات. كشوفات الحسابات إشكاليات عدة تعرض لها تقرير دائرة المحاسبات، فمن الأهمية بمكان أن يقع تدارسها ومتابعتها وأخذها بعين الإعتبار قبل إصدار القانون الجديد ومتابعة الإخلالات قضائيا وإداريا، فمن بين أهم هذه التجاوزات عدم تقديم كشوفات حسابية، إلى جانب التمويل الخاص والتمويل الأجنبي واسترجاع التمويل العمومي بالنسبة للمترشحين الذين لم يتحصلوا على مقاعد بالتأسيسي. فحسب تقرير دائرة المحاسبات "أبرزت الأعمال الرقابية أن عديد القائمات المترشحة تحصلت على مساعدات عمومية مشروطة بتحقيق نتيجة انتخابية وباستعمالها حصريا في تمويل الحملة الإنتخابية ولم تتقيد بهذه الشروط" ذلك أن "العمليات الرقابية المنجزة من خلال مقاربة جداول أمناء المال الجهويين المتعلقة بصرف قسطي المنحة وكشوفات الحسابات البنكية للقائمات المعنية ومحاضر النتائج المعدة من قبل الهيئات الفرعية إلى حصر القائمات الحزبية والمستقلة المطالبة بإرجاع القسط الثاني من المنحة وتصنيفها حسب أمانة المال الجهوية ذات المرجع الترابي، حيث تبين أن المبلغ الجملي المستوجب إرجاعه يقدر بما قيمته ثلاث مليارات، 47 بالمائة منها متخلد بذمة 66 حزبا سياسيا وقرابة 2 بالمائة بذمة ائتلافين وما يقارب 51 بالمائة بذمة 424 قائمة مستقلة. كما تعرض التقرير إلى تفاصيل حول تقديم الكشوفات الحسابية من عدمها ذلك أنه من بين 17 حزبا و31 قائمة مستقلة وائتلاف فاز مرشحوها بما عدده 217 مقعدا بالمجلس الوطني التأسيسي، فإن 5 أحزاب و14 قائمة مستقلة تحصلت على 48 مقعدا، أي ما يقارب ربع المقاعد، لم تمتثل لأحكام القانون وأحجمت عن تقديم حساباتها رغم مبادرة دائرة المحاسبات بتذكيرها بالأحكام القانونية وبالآثار المترتبة عنها في ثلاث مناسبات على الأقل ضمن بلاغات نشرت للعموم على التوالي في 12 أكتوبر 2011 و25 نوفمبر 2011 و6 ديسمبر 2011، وهذه الأحزاب، حسب التقرير، هي "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" و"حركة الشعب" و"حركة الوطنيين الديمقراطيين"، و"حزب الأمة الديمقراطي الإجتماعي" و"حزب العدالة والمساواة"، أما القائمات المستقلة فهي تلك التي تقدمت باسم "العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية" بدوائر نابل 1 ونابل 2 وبنزرت وسوسة وباجة والمهدية وقبلي والقصرين وإيطاليا أو ترشحت تحت عناوين "المستقل" بسيدي بوزيد و"النضال الإجتماعي" بجندوبة و"الوفاء للشهداء" بتوزر و"من أجل جبهة وطنية تونسية" بقابس. غياب تعريف قانوني وحسب بيانات وزارة المالية فإن الأحزاب والقائمات المستقلة والقائمات الإئتلافية التي لم تقدم حساباتها قد تحصلت على مبالغ ارتفعت على التوالي إلى 2341940 دينارا و2462100 دينارا و36217 دينارا بعنوان منحة المساعدة العمومية على تمويل الحملة الإنتخابية. وتبعا لذلك فإن العقوبة القصوى التي يمكن تسليطها على حزب سياسي يمتنع عن تقديم حساباته عن كل الدوائر التي ترشح بها تبقى في حدود 5 آلاف دينار وهو ما يجعل الحزب الذي لا يقدم حساباته غير معرض للعقوبة عن كل المخالفات التي قد ترتكبها. وبالتالي ماهي الضمانات التي سيوفرها القانون الإنتخابي الجديد للتصدي لمثل هذه الإخلالات والتجاوزات والإهدار للمال العام من جهة ومن مراقبة تمويل الحملة الإنتخابية من جهة أخرى خاصة فيما يتعلق بمصادر التمويل الخاص ذلك أن الفصل 52 من المرسوم عدد 35 لسنة 2011 تمويل الحملة من قبل الخواص. وقد ذكر تقرير دائرة المحاسبات أنه في "غياب تعريف قانوني للتمويل الخاص فانها اعتبرت أن المصادر المشروعة للتمويل بالنسبة إلى الأحزاب تتمثل في منحة الدولة وفي مساهمة الحزب والمترشحين من أعضاء القائمات، أما بالنسبة إلى القائمات المستقلة فإنها تبقى في حدود منحة الدولة ومساهمات المترشحين من أعضاء القائمات. في هذا السياق وسعيا إلى تفادي تكرار مثل هذه الخروقات وغيرها وتأسيسا لنظام انتخابي جديد يعزز المسار الديمقراطي ويكرس شفافية تمويل الحملة الإنتخابية والمساواة بين المترشحين ومساءلة مختلف المتدخلين وردع المخالفين تقدمت دائرة المحاسبات بجملة من التوصيات من ذلك تلافي التأخير في إصدار النصوص إلى جانب العمل على التعريف بالمفاهيم الأساسية من ذلك النفقة الإنتخابية حيث سيتم مستقبلا تعريف هذا المصطلح وتحديد عناصره وبسن أحكام تمكن الجهات المكلفة بالرقابة الموازية واللاحقة وخاصة منها دائرة المحاسبات من صلاحية رفض النفقات التي لا تكتسي طابعا انتخابيا ومطالبة القائمات المعنية بإرجاع مبالغ تلك النفقات بعد طرح تمويلها الذاتي. "لكل قائمة حساب" أما في خصوص فتح حساب بنكي وحيد، فقد دعت دائرة المحاسبات في تقريرها حول نتائج مراقبة تمويل الحملة الإنتخابية إلى اعتماد مبدأ "لكل قائمة حساب" عند وضع المجلة الإنتخابية القادمة مع إلزام كل حزب أو إتلاف بمسك حسابية تأليفية جامعة لكل الموارد المحققة والمصاريف المبذولة من قبل كل قائماته بمختلف الدوائر الإنتخابية. وفي خصوص استرداد مبالغ المساعدة العمومية فقد اكتفى الإطار القانوني لتمويل الحملة الإنتخابية بالتنصيص على إمكانية تسليط عقوبات مالية على القائمات التي تمتنع عن مد دائرة المحاسبات بالوثائق الوجوبية دون إلزامها بإرجاع مبالغ المساعدة العمومية التي تحصلت عليها. وحيث أن عدم الإفصاح عن كيفية استعمال أموال عمومية تم تلقيها لغاية صرفها في غرض محدد يندرج وفقا للمبادئ العامة للقانون وحسب القانون الإنتخابي المقارن ضمن التصرفات المعيبة التي تستوجب المؤاخذة وتقتضي استرداد تلك الأموال، فان دائرة المحاسبات تدعو وزارة المالية إلى القيام بالإجراءات الضرورية لإسترجاع كل الأموال التي لم يتسن التثبت من مآلها"