هل مازال بالإمكان الحديث عن إمكانية إعادة إحياء العملية السلمية الشرق أوسطية، المعطلة منذ مدة ليست بالقصيرة، في وقت قريب؟ سؤال يطرح نفسه اليوم أكثر من أي فترة أخرى سابقة في ضوء المتغيرات التي تشهدها الساحة السياسية الإسرائيلية وآخرها ما أفرزته الانتخابات التمهيدية لحزب "الليكود" اليميني التي أجريت أول أمس تحضيرا للانتخابات التشريعية المقررة في إسرائيل ليوم 22 جانفي المقبل، من نتائج. فهذه الانتخابات التي نظمت بعد أيام من انتهاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وبإجماع المراقبين والمحللين السياسيين بمن فيهم الاسرائيليين منهم، جاءت لتؤكد أن استطلاعات الرأي العام التي أجريت أثناء هذا العدوان والتي أظهرت تأييد أغلبية كبيرة من الاسرائيليين له ولاجتياح عسكري بري جديد لهذا القطاع، كانت معبرة تماما وبصدق عن التراجع الكبير لمعسكر المدافعين عن السلام في هذا الكيان المزروع غصبا في المنطقة العربية واتجاه المجتمع الاسرائيلي واقعيا نحو مزيد من التطرف واليمينية والعدوانية، ما يعني مزيد الاصرار على ارتكاب الانتهاكات في حق الشعب الفلسطيني وتجاهل حقوقه المشروعة في التحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وذات السيادة على أراضيه والدوس عليها. ولعل أبرز دليل على ذلك النتيجة التي أسفرت عنها والمتمثلة في صعود شخصيات مغالية في دعم الاستيطان ومعروفة بمعارضتها ورفضها الشديدين لحل الدولتين مثل داني دانون وموشيه فيغلين، وتغلبها على شخصيات من أمثال بني بيغن ودان ميريدور وميخائيل ايتان -التي تصنف ضمن "المعتدلين" نسبيا- في حزب رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، الذي يعرف الجميع أن سياسته الرافضة لتعليق الاستيطان في الأراضي المحتلة كانت السبب المباشر في وقف المفاوضات السلمية مع السلطة الفلسطينية، ما يؤشر بوضوح إلى أن الحكومة الاسرائيلية المقبلة التي سيتعين علينا مواجهتها خلال السنوات القادمة ستكون الأكثر يمينية وتطرفا وبالتالي الأكثر عدوانية ومعاداة للسلام في تاريخ إسرائيل. وليس أدل على ذلك من أن آخر استطلاعات الرأي الاسرائيلية ترشح الائتلاف الحاكم الحالي (الليكود واسرائيل بيتنا والمتدينين المتشددين واليمين المتطرف)، للفوز بما لا يقل عن 70 من مجمل 120 مقعدا في البرلمان المقبل بما يكفل احتفاظه بوضعه المهيمن وسيطرته التامة على الحكم. هذه المستجدات الخطيرة دون أدنى شك، يجب أن تفرض على الفلسطينيين مراجعة استراتيجياتهم النضالية باتجاه إكسابها الزخم الذي يكفل إحباط مخططات الصهيونية ضد حقوقهم الشرعية وإعادة فرض مسألة تسويتها ضمن الأجندات الدولية.. والبداية لا بد أن تكون المسارعة دون إبطاء في عقد المصالحة الوطنية المؤجلة.