«التأسيسي» يرزح تحت وطأة التجاذبات السياسية.. والدستور محل خلاف عديدة هي التحديات والرهانات التي تنتظر المجلس الوطني التأسيسي في هذه الظرفية بالذات لعل أبرزها التوصل إلى التوافق بشأن مسودة الدستور التي لا تزال ترزح تحت وطأة الاختلافات رغم الجلسات الحوارية المتتالية فضلا عن بعث الهيئة المستقلة للانتخابات في ظل تمسك بعض القيادات خاصة من حركة النهضة بإمكانية إجراء انتخابات موفى 2013 هذا دون أن ننسى عرض مشروع العدالة الانتقالية على الجلسة العامة الذي تأخر أكثر من اللازم ويبدو أن كل المسائل السالفة الذكر ليست على القدر الكافي من الأهمية بالنسبة للقائمين على المجلس الوطني التأسيسي بالنظر إلى أن اهتمامات أخرى تشغلهم وهو ما جعل البعض من المهتمين بالشأن العام يرون أن المجلس بات يرزح تحت وطأة التجاذبات و"تصفية الحسابات" على حساب القضايا الجوهرية الحارقة في محاولة منه لإلهاء الرأي العام عن تجاذبات مسودة الدستور وفقا لتصريحات البعض وفي استعراض خاطف لحصيلة أعمال المجلس الوطني أو "مشاغله" في هذه الفترة الأخيرة نجد أن مكتب المجلس الوطني التأسيسي نظر مؤخرا في لائحة ممضاة من قبل 120 نائبا ضدّ النائب منجي الرحوي احتجاجا على ما اعتبروه إساءة لم يسبق لها مثيل للمجلس ولزملائه (اتهم الرحوي نواب المجلس بالفساد وإهدار المال العام والتمعش على حساب الشعب جراء المنح التي تحصلوا عليها) في الوقت الذي يفترض فيه انه تمّ تجاوز المسألة كما نظر مكتب المجلس مؤخرا في تجاوزات الصحفيين والسياسيين وقرر على إثره بعث مرصد لتتبع الصحفيين قضائيا بعد رصد بعض التجاوزات على غرار السب والشتم علما أن القرار لا يزال مجرد فكرة لم يتخذ قرار بشأنها. زد على ذلك فان عضو المجلس الوطني التأسيسي عن كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية سمير بن عمر صرح بوجود اقتراحات للدخول في إضراب جوع قصد تمرير قانون تحصين الثورة مشيرا في تصريح تلفزي إلى أن هنالك من اقترح الاعتصام أمام مكتب رئيس المجلس أو سحب الثقة منه باعتباره المسؤول الأول عن تعطيل النظر في هذا القانون وهو ما يدفع إلى طرح تساؤل مهمّ: أية جدوى من هذه المسائل والحال أن الجهود منكبة على بلورة اللمسات الأخيرة من مسودة الدستور قبل عرضها للنقاش؟ تعتبر سعاد عبد الرحيم عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة في تصريح ل"الصباح" أن سير أعمال المجلس الوطني التأسيسي لا بدّ أن تسير بالتوازي، إذ لا بدّ من إنهاء صياغة الدستور وضبط قوانين للمجلس هذا بالتفاعل أيضا مع مجريات الأحداث مشيرة إلى أن لجانا مكلفة بذلك وهذه اللجان هي تشريعية وليست تأسيسية. وأضافت عبد الرحيم أن اللجان يبلغ عددها 7 وشكلت لصياغة القوانين والبت فيها مؤكدة في السياق ذاته أن الاتهامات دائما ما تطال المجلس ومنذ أن باشر أعماله حياد عن المسار لكن في المقابل أكد فؤاد ثامر عضو المجلس الوطني التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية في تصريح ل"الصباح" أن ما يلاحظ اليوم على المجلس "أمر يستدعي التأمل والبحث عن المقاربة الموضوعية التي تمنح التقييم الموضوعي السليم إذ كان المنشود صياغة الدستور في أقرب الآجال ثم الإصلاح والتأسيس للجمهورية الثانية" وقال "للأسف حدنا عن المسار والأسباب عديدة أولها غياب الإرادة السياسية وتغليب الطابع المناوراتي السياسي" مشيرا إلى ان "تمرير قانون تحصين الثورة أو بعث مرصد لتتبع الإعلاميين أو لتكميم أفواههم" على حدّ تعبيره ليس بالأولوية بالنسبة لشعب أرهقته المرحلة الانتقالية وأنهكته التجاذبات لتصبح هاته القوانين أولوية وبذلك يصبح -على حدّ قوله- الحق باطلا والباطل حقا قضية توافقات كما أكد النائب هشام حسني ل"الصباح" أن القضية الجوهرية اليوم هي تضمين توافقات الحوار الوطني صلب الدستور الذي لم يسلط عليه الضوء بالشكل المطلوب مشيرا إلى انه ثمة من وراء هذه المسائل الفرعية إرادة لتمرير مشروع الدستور دون التوافقات المتفق عليها مشيرا إلى أن ذلك يمثل إرادة حركة النهضة التي اتضحت جليا خلال الحوار الوطني وفقا لما أدلى به المتحدث تهميش القضايا الحقيقية من جهة أخرى أوضح المحلل السياسي مصطفى التليلي ل"الصباح" انه يعتقد أن طرح مثل هذه القضايا الهدف منه إبعاد اهتمام التونسيين على القضايا الأساسية الكبرى ولا سيما في ما يتعلق بالدستور والهيئة المستقلة للانتخابات فضلا عن قضايا التنمية بالجهات وهي قضايا كبرى تهمش وتطرح أخرى لا علاقة لها باهتمام التونسي وتناهض المبادئ التي وضع لأجلها النواب وبين التليلي في تعليقه على المقترح القاضي ببعث مرصد لتتبع الإعلاميين انه كان الأجدر أن يُبعث مرصد لتتبع الإرهاب الذي يرهق التونسيين اليوم وقال: "المجلس التأسيسي بنيت عليه آمال كبيرة على اعتبار انه سيضع دستورا يلبي مطامح التونسيين وسينهي أشغاله في ظرف سنة" مضيفا في هذا السياق: "للأسف كل النتائج التي أفرزها عمل المجلس مخيبة للآمال وهو ما تعكسه المسودات المتتالية وعدم احترام للآجال القانونية ولا سيما أن مستوى النقاشات مازال دون دستور 59 " غياب الوعي ومن جانب آخر ذكر المحلل السياسي إسكندر الفقيه في تصريح ل"الصباح" أنه يفترض أن لا شيء يعلو على الدستور إذ من غير المناسب طرح قوانين خلافية من شأنها أن تشتت جهود أعضاء المجلس خاصة أن تركيزهم لا بدّ أن يكون على الدستور الذي لا يمثل قانونا عاديا. وأضاف المتحدث أن هنالك انعداما للجدية والوعي اللازم بأهمية الدستور في ظل هذه المشاكل الفرعية التي تمثل انحرافا للتكليف الأساسي الذي عهد إلى نواب المجلس وان يعملوا على "تحصين" الدستور، وفق تعبيره