عقد مساء أمس، معهد البحوث حول المغرب المعاصر " IRMC" لقاء إعلاميا لتقديم أحدث منشوراته "Penser la société tunisienne aujourd'hui :la jeune recherche en sciences humaines et sociales" وهو عبارة عن تحقيق عميق وموسع وأكاديمي عن مجموعة من السلوكيات والمظاهر الاجتماعية التونسية، حيث يعتبر هذا الكتاب خلاصة بحوث أنجزها 21 باحثا شابا في مجالات متعددة على غرار علم الاجتماع والانتروبولوجيا وعلوم الصحافة والاتصال والاقتصاد وذلك بإشراف الأستاذة سهام النجار. واستعرض الباحثون الشباب، خلال هذا اللقاء أسباب ونتائج دراساتهم وبحوثهم حول المجتمع التونسي. ومن بين الورقات العلمية المقدمة في ندوة مركز البحوث حول المغرب المعاصر عمل الباحثة الشابة إيناس شريف، التي عالجت الحضور الذكوري في أفلام السينمائيات التونسيات وأكدت صاحبة الدراسة أن هذا البحث نابع من رغبة ذاتية في اكتشاف خفايا هذه المسألة من منطلق أنها خريجة سينما قبل أن تختص في الانتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية. من جهتها، تعرضت الباحثة فاتن عوادي لحضور المرأة في الإشهار محللة الخطاب المعتمد في هذا المجال ودلالات لغة الصورة أمّا ريم الشابي المتخرجة من العلوم الاقتصادية والباحثة في الانتروبولوجيا فاختارت طرح "ازدواجية التدوين والرقابة" وذلك من خلال دراستها لعالم المدونيين التونسيين وفي هذا الشأن، شبهت ريم الشابي عمل المدونيين قبل الثورة التونسية بالنضال المتواصل لأجل حرية التعبير وصورة تعكس أفكار ومواقف مجموعة من التونسيين في عالم افتراضي كان له دور في التحولات التي عرفتها تونس اثر الثورة مشيرة إلى أن التدوين في الوقت الراهن ورغم رفع قيود الرقابة عنه لم يعد له نفس الفعالية. القراصنة هم أيضا كانوا موضوع بحث لشيرين بن عبد الله - التي تواصل دراساتها العليا بباريس- حيث تستعرض الباحثة الشابة خصائص الهاكر (قرصان على الانترنت) وأسباب سلوكهم، الذي يعتبره البعض سلبيا من منطلق تأثيره على المجتمع والاقتصاد فيما يصفهم البعض الآخر بمبدعي الانترنيت ومخترعي الفيروسات ويرى بعض "الهاكر" في أنفسهم نشطاء سياسيين على الانترنت. شيرين بن عبد الله كشفت عن مختلف الوسائط المعتمدة في عمليات القرصنة والأهداف منها ومختلف تأثيراتها. ويعد عالم الافتراض من المواضيع، التي جذبت اهتمام عدد من الباحثين الشباب الحاضرين في ورشات الكتابة لمركز البحوث حول المغرب المعاصر منهم أسماء بن جبارة وبحثها حول شبكة التواصل الاجتماعي"الفايس بوك" وبادي مالكي في دراسته حول الشباب التونسي واستخدامه للشبكات الاجتماعية كما حظيت السلوكيات والتقاليد الاجتماعية بمساحة جيدة في خيارات الباحثين وتناولت في هذا الإطار الباحثة ريم حواس غربال ظاهرة أصيلي مدينة صفاقس المقيمين بتونس العاصمة عاكسة من خلال هذا نموذج الاستراتيجيات المعتمدة في مجال الزواج ومتطلبات الهوية في ما عرف موضوع الحجاب اهتماما واضحا من قبل الباحثين خاصة وأنه موضوع ثري للبحث. فالحجاب في تونس قبل وبعد الثورة عرف تحولات كثيرة وقد طرحته الباحثة هندة غربي من منطلق الموضة والمظهر الخارجي للمرأة التونسية المعاصرة وكان موضوع الحجاب في لقاء مركز البحوث حول المغرب المعاصر"IRMC" قد حظي بنقاش الحاضرين خاصة وأن حضوره يحيل بالضرورة لعلاقة الجانب الديني بالسياسي فقبل الثورة وتحديدا انطلاقا من سنة 2004 كانت المتحجبات يتعرضن لضغوطات من السلطة في حين تحول الحجاب اليوم رمزا لبعض الأطراف والمنتمين للسلطة. من المسائل الاجتماعية، التي لم تغب عن البحوث التي جمعت في الكتاب الصادر باللغة الفرنسية مسألة العذرية وتعامل المرأة مع جسدها ونظرة المجتمع لها إلى جانب مواضيع المال في حياتنا الاجتماعية والهجرة غير الشرعية "الحرقة" وحضور مناسبة "عيد الحب" في مجتمعنا التي صارت عادة سنوية بعد أن كانت ظاهرة دخيلة. المسائل المطروحة في بحوث هؤلاء الأكاديميين الشباب كانت نابعة من واقع تونسي وعكست بصفة موضوعية وعلمية مظاهر وسلوكيات اجتماعية تواجهنا يوميا رغم أن أغلب هذه الدراسات انطلقت من أسباب ذاتية إلا أنها استطاعت أن تعكس وبحرفية المعيش والراهن لكل التونسيين. من جهتها بينت الأستاذة سهام النجار وهي عضو دائمة في فريق بحث معهد البحوث حول المغرب المعاصر أن عمل هؤلاء الباحثين الشباب كان مميزا وقدم صورة عن المجتمع التونسي انطلاقا من سنة 2009 المتزامنة مع انضمامهم لورشات الكتابة، التي أنتجت هذه الدراسات كما وصفت سهام النجار طلبتها بالمميزين والقادرين مع الدعم والتوجيه على أن يكونوا باحثي المستقبل في تونس مشيرة إلى أن ورشات الكتابة بمركز البحوث حول المغرب المعاصر ستتواصل. أمّا "Pierre Noel Denieuil"، مدير مركز البحوث حول المغرب المعاصر فاعتبر الدراسات الناتجة عن ورشات الكتابة العلمية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية المنجزة من قبل الباحثين الشباب، الأعمال الأبرز في مجال الدراسات الاجتماعية المنجزة في تونس خاصة وأنه ثمرة تعاون بين المعهد والأستاذة سهام النجار كما قدمت هذه التحقيقات الأكاديمية والعلمية مجوعة من الباحثين الشباب المتوقع أن يكونوا من أبرز المشتغلين على هذه المجالات العلمية مستقبلا في تونس. تجدر الإشارة إلى أن مركز البحوث حول المغرب المعاصر أسس سنة1992 بتونس وهو واحد من بين27 مركز بحث فرنسي بالخارج، حيث يختص في الدراسات المتعلقة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وقد قام سنة 2000 بعقد اتفاقية تعاون مع وزارة التعليم العالي التونسية وإنشاء وحدة بحث مزدوجة نتج عنها عدد من الدراسات والملتقيات والمنشورات وتحتوي مكتبة المعهد قرابة 30 ألف كتاب وهي مفتوحة لمختلف الطلبة والباحثين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية.