كانت جلسة النادي الثقافي أبو القاسم الشابي المنعقدة يوم السبت 20 جوان استثنائية أرادتها الهيئة المديرة خاتمة الموسم بالنسبة لنادي مطارحات وقد ناقش الحاضرون فيها الإصدار الأخير لوزير الثقافة الأسبق البشير بن سلامة "اللهو الصفر" وبتقديم الروائية ريم العيساوي لها كان النادي قد كسب رهانا ووعدا قطعه منذ بداية الموسم وهو ان تقدم المبدعات وحدهن كل الكتب التي تمت مناقشتها في نادي مطارحات وذلك لإثبات ان المرأة ليست ديكورا في النادي وإنما هي عضو فاعل ويقرر وينجز. تقديم البشير بن سلامة المفكر الذي غارت بصماته عميقا في الحركة الثقافية في تونس منذ الاستقلال وحتى تمت إقالته يوم 12 ماي 1986 ووضعه قيد الإقامة الجبرية بعد تغيير السابع من نوفمبر لم يكن من السهل اختزاله في اسطر فهو سياسي نشط صلب الحزب الاشتراكي الدستوري ومنذ سنة1947 في الحزب الحر الدستوري الجديد وتولى وزارة الشؤون الثقافية بين1981 و1986 وكان لصداقته بالوزير الأسبق محمد مزالي التأثير الكبير على الثقافة بعد الاستقلال حيث شهدت فترة توليه الوزارة إنشاء بيت الحكمة والمسرح الوطني التونسي والفرقة الوطنية للموسيقى والمعاهد العليا للموسيقى والمسرح وصندوق التنمية الثقافية والإنتاج السينمائي و12 جائزة في اغلب مجالات الثقافة ومعرض الكتاب. ترأس تحرير مجلة الفكر من 1955 إلى 1986 وأسس مجلات الجيل والشباب والحياة الثقافية وفنون... كما اهتم البشير بن سلامة بالإبداع تأليفا وترجمة واصدر رباعية "عائشة " "و" عادل" و"علي" و"الناصر" قبل رواية "اللهو الصفر" التي بدأ يكتبها منذ 1988 واصدرها سنة 2012 لتكون موضوع الجلسة مغامرة في مسالك الخلق في تقديمها لرواية "اللهو الصفر" رأت الأستاذة ريم العيساوي أن نصها إشكالي لما فيه من أدبية سرد وفكر فلسفي وان بن سلامة تحول فيها من الكتابة عن المهمشين الذين خصهم برباعية إلى الكتابة عن اللاهثين. وإنها رواية مفتوحة في بنائها النصي وقد احتفى فيها كاتبها بالموسيقى بقاموسها وقواعدها فجعل بنية الرواية في شكل عود وبهذا يبزر موقف الكاتب الداعم للفن و"اللهو الصفر" رواية استدعى فيها البشير بن سلامة التراث من خلال "ألف ليلة وليلة" وادخل العناصر الحديثة على العناصر التراثية الأصيلة وأعاد قراءة وكتابة بعض الأحداث التاريخية التي ترتبط بالبعد السياسي واهتم فيها حسب ما بينته الأستاذة ريم العيساوي بقضايا متعددة فيها الفلسفة والحياة والموت والعلاقة بين الحاكم والمحكوم والصداقة وتقديس كل ما هو إبداع فني. وقالت ان نصها يقترب من نص المسعدي فيه الأصالة والمعاصرة وعمق الأسلوب واللغة والبعد الحضاري الذي ينفتح عليه. فكانت الكتابة بالنسبة للبشير بن سلامة مغامرة في مسالك الخلق بنص جدلي في معماره وتجريب من نوع خاص أي ان تجربة الإبداع عنده نامية ولا تتوقف، تسيطر فيها الشخصية على الحدث وتتعدد الأصوات ليصبح السارد مجموعة من الساردين سلطة للمثقف وتقويم مسيرة الشعوب فترة النقاش تم خلالها استعراض أهم مراحل مسيرة البشير بن سلامة والثناء على ما قدمه للثقافة والمثقفين التونسيين ولاحظ الدكتور نور الدين بن بلقاسم ان الرواية تطرح أفكارا عميقة بطريقة جميلة صادرة عن رجل قضى عمره يبني البلاد والرجال ويوفر الفرص لما يكتشفه من مواهب. كما تكشف الرواية عجز الإنسان لأنه يعيش بلا وعي وفي غفلة عما يحيط به وسط الحكم الفاسد الذي يعمي الشعوب ويسيّرها إلى الأسوأ ليحافظ على مصالحه. وتطرح الرواية كذلك فكرة إيجاد سلطة للمثقفين وتوجه لبن سلامة بسؤال:"كيف تكون الصداقة الحق هي اكبر عدو للحكام الطغاة وكيف يعمد الحكام لإفسادها وهل لهذا السؤال علاقة بمؤسس مجلة الفكر؟ وما علاقة اللهو بتقويم مسيرة الشعوب ؟". وقدمت الكاتبة بسمة الشوالي قراءتها الخاصة للرواية وقالت انها كتبت على جزئين قبل الإسراء وبعده . الجزء الأول نظري أصل فيه الكاتب مفهوم الموسيقى وآلة العود في التراث البشري وفي التراث السامي وفي التراث الديني العربي الإسلامي حتى بدا وكأنه يرد على محاولات تحريم الفن أما الجزء الثاني فرأت الشوالي ان بن سلامة كتبه بين إحساسي الأمل والقرف وركز فيه على الفترة الأخيرة في حكم بورقيبة وقالت: "لمست فيه نفس المسعدي والمعري والأساطين الكبرى للأدب العربي والإنساني ووجدت شهرزادا ناقدة لنفسها ولحكاياتها. وتساءلت لماذا وقع تغييب صوت الصديق وتركه في الأرض ولماذا غيّبت الحضارة الفارسية ونحن نعرف دورها في بناء الحضارة العربية الإسلامية" إسقاط سياسي وفكري و"اللهو الصفر" بالنسبة للأستاذ عبد الكريم الغرابي رواية هامة على أصعدة كثيرة وسيرة ذاتية وبوح بقناعات فكرية وتعتمد على العمل الميداني في مستويات عالية من السلطة في فترة هامة من تاريخ تونس بناؤها شبيه ببناء كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني حيث صمم العناصر على أصوات موسيقية. أما الكاتب الناصر التومي فقد فاجأته الرواية التي لم يجد فيها البصمة التي تعود بها في رباعية البشير بن سلامة وقال:" الرواية بكاملها إسقاط سياسي وفكري وأنا ارفض الجمع بين الفلسفة والأدب وأحبذ الرواية التي يفهمها كل الناس لأني أرى أن الفكر والفلسفة يفسدان العمل السردي الإبداعي. وفي رده على ملاحظات الحضور وأسئلتهم بدأ الروائي البشير بن سلامة بالتأكيد على الدور الفاعل والهام الذي لعبه نادي القصة بالوردية في تحريك الحياة الأدبية في تونس وشكره لأنه بقي على وفائه للأدباء والكتاب رغم ما حاق بالبلاد والعباد بقي ذلك النادي الفني الذي خص رباعية العابرون بدراسات قيمة رغم التضييقات وفي فترة عصيبة رافعا راية لا ولاء إلا للإبداع. أما عن الرواية فقد اعترف بن سلامة أنها صعبة القراءة وقال: أنا لا استطيع أن أتحدث عن اثري ولا يمكن أن أوافق على قراءة دون أخرى"