المواقف السياسية لحركة النهضة تشجع على الإرهاب لا أرى في تصريحات عمار حملة انتخابية استباقية وزارة الشؤون الدينية أكثر سيادية من وزارة الخارجية ما عاشته تونس ليس إرهابا وإنما تمرد على النظام القائم آداء الداخلية أفضل مع بن جدو عادل اللطيفي محلل سياسي، وهو كاتب وباحث أكاديمي متحصل على الدكتوراه في التاريخ وعلى ماجستير أنتروبولوجيا اجتماعية من معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس وهو أستاذ بجامعة السوربون، وله ثلاث دراسات علمية حول الإسلام في بلاد المغرب. "الصباح الأسبوعي" اتصلت بالدكتور والمحلل السياسي عادل اللطيفي الذي اعتبر حكومتي لعريض والجبالي وجهان لعملة واحدة مثمّنا دور وزير الداخلية رياض بن جدو في تحسين أداء وزارة الداخلية. كما اعتبر اللطيفي أنّ استقالة رشيد عمار ليست خسارة للمؤسسة العسكرية التي لها رجالاتها، إضافة إلى تطرقنا إلى محاور أخرى في الحوار التالي. لنبدأ بآخر تصريح لقائد أركان الجيش رشيد عمار المتعلق بإعلانه الاستقالة، كيف تقرؤون قرار استقالته في هذا الظرف بالذات؟ - المبرّر المعلن في إعلان رشيد عمار لخبر استقالته هو تفرغه لعائلته، ولكن هناك مبرّرات غير معلنة عندما تحدث عن طعنات من الخلف وتعرضه للإهانة، ربما لم يعد بإمكان رشيد عمار التحمل أكثر من ذلك، كما أنّ قرار الاستقالة في هذا الظرف بالذات مرتبط بأحداث الشعانبي التي استهدفت خلالها المؤسسة العسكرية عامة وشخص رشيد عمار خاصة. ولا يجب أن ننسى أنّ لهذه المبررات غير المعلنة تأثير سلبي في رجل الدولة الذي يصبح غير قادر على ممارسة مهامه، دون أن ننسى طبعا المشاكل التقنية البحتة التي تشكو منها المؤسسة العسكرية وذلك عندما تحدث قائد أركان الجيش عن وجود خلل في جهاز الاستعلامات، فليس هناك سياسة أمنية واضحة ولا يمكن للدولة أن تقوم بدورها في ظل غياب سياسة أمنية واضحة. هناك إجماع تقريبا على ضعف الجهاز الاستعلاماتي بتونس، وهو ما دفع بالبعض إلى المطالبة بإعادة البوليس السياسي والعمد لممارسة نشاطهم فهل نحن في حاجة فعلية إلى العمد والمشيخة؟ - لا يجب أن ننظر للأمور إما أبيض أو أسود، فالعمد موجودون منذ عهد بورقيبة ومثلوا جزء من الإدارة التونسية ولعبوا دورا هاما في الاستعلامات لكنهم كانوا يقومون بأشياء إضافية ك"القوادة" وتتبعّ المعارضة.. لذلك أرى أنه لا مجال لعودة العمد والمشيخة بشكل استخباراتي فلا بدّ من وجود مؤسسات إدارية واضحة وبعث جهاز استخباراتي محترف بكل ما لكلمة استخبارات من معنى. حسنا لنعد لرشيد عمار، هناك من يعتبر استقالته خسارة لتونس، ما رأيكم؟ - بداية يجب القول إن استقالة رشيد عمار تصريح بفشل حكومتي الجبالي ولعريض، فقد كان بإمكانه انتظار تنظيم الانتخابات القادمة ليستقيل وعندها يمكن القول إنه أكمل مهامه على أكمل وجه، ومع ذلك أنا أؤمن بالمؤسسات التي أعتبرها أقوى من الأشخاص. فبإمكان المؤسسة العسكرية أن تنتج شخصا أفضل من رشيد عمار، فالتاريخ لا يتوقف عند أشخاص. في تصريحاته قال رشيد عمار "إنّ رجل الجيش لا يمارس السياسة ما دام مرتديا الزي العسكري"، فهل يمكن القول إن في ذلك تصريح ضمني بكونه سيدخل الحياة السياسية خاصة أنه مدح نفسه كثيرا؟ - صحيح أن تصريحات رشيد عمار عكست نوعا من تضخيم الأنا لديه، وهذا كله تنزّل في إطار الردّ على حملات التشويه التي استهدفته، فقد برز في موقع المدافع عن نفسه بشراسة وتحدثّ عن ذلك بشيء من المرارة.. لذلك لا أرى في تصريحه حملة انتخابية استباقية. ما تعليقكم حول لائحة إعفاء المرزوقي؟ - أعتقد أن كلمة "إعفاء" كلمة كبيرة ربما كان من الأفضل دعوة المرزوقي إلى جلسة مساءلة، فحسب القوانين أيضا تصريحات المرزوقي لا تعتبر خيانة عظمى.. ولكن ما أستغربه فعلا هو ردّة فعل المرزوقي نفسه عندما شبّه مبادرة النواب ب"الاستخفاف بالديمقراطية"، لذلك أرى أنّه على المرزوقي مراجعة أفكاره خاصة عندما يتحدّث عن الحريات. ما رأيكم في قانون تحصين الثورة ؟ - من حيث المبدأ أنا لست ضدّ تحصين الثورة وشخصيا كنت معه بعد الثورة مباشرة وتحديدا في هيئة تحقيق أهداف الثورة التي ترأسها عياض بن عاشور وذلك بهدف حماية المرحلة الديمقراطية حينها، ولكن اليوم الأمر مختلف لأن العدالة الانتقالية هي التي تقرّر، وقانون تحصين الثورة يراد منه الابتزاز السياسي فقط لا غير. أحداث الشعانبي والروحية وبئر علي بن خليفة، هل يمكن اعتبارها فعلا أحداثا إرهابية خاصة أن قائد أركان الجيش رشيد عمار وصفها بالتمردّ؟ - لا يمكن اعتبار ما عاشته تونس أحداثا إرهابية، وإنما هو تمردّ وانقلاب على النظام القائم، فلم تحدث تفجيرات مثلا تخوّل لنا الحديث عن الإرهاب، حتى الشعانبي نفسه مثلّ مركز تدريب عدد من الأشخاص بهدف إطلاقهم فيما بعد داخل المجتمع ليأتي اليوم المذكور وهو الانقلاب على النظام، ومع ذلك يمكن القول إنّ العمل الإرهابي الوحيد الذي عاشته تونس هو اغتيال شكري بلعيد، والإرهاب الحقيقي الذي تعيشه تونس هو إرهاب سلفي نهضوي؟ ماذا تقصدون بالإرهاب السلفي النهضوي؟ - هناك تكامل بين السلفيين وحركة النهضة ليس على مستوى القرار المباشر وإنما هناك رعاية من حركة النهضة للسلفيين، وهما يلتقيان على مستوى الفكر الأصولي الإسلامي، فكلاهما يشجّع على تكفير الآخر. ففي المواقف السياسية لحركة النهضة نجد قياداتها يعتبرون خصومه السياسيين خصوم الإسلام، وفي ذلك الاعتقاد تشجيع على الإرهاب، الغنوشي نفسه كان صرحّ بأنّ خصوم الدستور هم خصوم الإسلام، وحركة النهضة أخطأت عندما نصبت نفسها مدافعا عن الإسلام. النهضة أيضا تدعي أنها تنتمي للإسلام الوسطي لكنها في الواقع امتداد للفكر الإخواني الإسلاموي المتعالي عن الانتماءات الوطنية. هناك عديد الدعوات لفصل حركة النهضة الجانب الدعوي عن الجانب السياسي، ما رأيكم في ذلك؟ - حركة النهضة تورطت في حفاظها على البعد الدعوي لأنّ الأطراف الفاعلة في الحركة أو ما تسمى كذلك بالصقور تمارس الفعل السياسي في إطار العقيدة الدعوية، وهذا المشكل خلق نوعا من العلاقة المتوترة مع الدولة خاصة عندما طرحت عدّة مسائل تمّ الحسم فيها وأبسط مثال على ذلك كونية حقوق الإنسان التي وردت في المادة الثالثة من عهد الأمان لحقوق الإنسان الصادر سنة 1857 ومع ذلك النهضة أعادتنا للنقاش. الشريعة مصدر أساسي للتشريع وكونية حقوق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل كلها مسائل أثارتها حركة النهضة وهو ما دفع البعض إلى الحديث عن تعمدّ إثارتها بهدف تعطيل مسار الانتخابات، هل تتبنون هذا الرأي؟ - نعم حركة النهضة تعمدّت ذلك، وهي اهتمت بالسيطرة على مفاصل الدولة على حساب تسيير الشأن العام والدستور كما تجدر الإشارة إلى أن ضعف الثقافة التاريخية والسياسية لدى بعض نواب الحركة تسبب في خسارتنا الكثير من الوقت، الغنوشي نفسه يعتقد أنّ الدولة التونسية هي نموذج بورقيبي 100% وهو مخطئ في ذلك ولذلك لا بدّ من تغيير هذا الأنموذج، لكنه نسي أو تناسى أن تاريخ الدولة التونسية يعود للدولة الحسينية. كيف تقيمون حكومة لعريض خاصة بعد مرور أكثر من 100 يوم على تنصيبها؟ - هناك نوع من التحسن مقارنة بحكومة حمادي الجبالي ولكن شخصيا لا أعتبرها حكومة أولى وثانية لأنها تدير الشأن العام بنفس الوجوه وبنفس البرنامج إن وجد، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن علي لعريض ونورالدين البحيري هما العنصران الفاعلان في الحكومة وهما يتناغمان مع التوجهات السياسية لمونبلزير وراشد الغنوشي هو الفاعل الحقيقي في الحكومة ويخطئ من يعتقد عكس ذلك. وماذا عن وزارات السيادة؟ - ما من شكّ أنّ هناك فرق واضح في نشاط وزارة الداخلية التي أعتبر أداءها أفضل مع بن جدو ووزارة العدل كأنه لا يوجد بها وزير أصلا، أما الخارجية ففي الوضع الراهن لا يمكن اعتبارها وزارة سيادة تحظى بنفس الأهمية التي حظيت بها في السابق خاصة منذ تأسيس الديبلوماسية التونسية، وأنا أرى أن وزارة الشؤون الدينية في خضم الوضع الذي نعيشه اليوم هي أكثر سيادية من وزارة الشؤون الخارجية.