سأروي لكم مشهدا من قبسات من حياة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عن الإيمان بعنوان "حبّ الوطن من الإيمان" يا أحفادي اسكندر وسليمة ومحمد يونس ومريم وأحفاد بني وطني وعقيدتي "كان صفوان سيّد بني جمع، بعد والده أميّة بن خلف، كما كان من كبراء قريش في حياة أبيه، وكان أمر الأزلام في الجاهلية موكولا إليه، وتزوّج من أكرم بيوت العرب وجاء الإسلام ودعا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الناس إلى الإيمان به، وقاومت قريش رسول الله والمؤمنين به مقاومة ليس لها مثيل في التاريخ، وكان من بينهم صفوان الذي دفع بعمير بن وهب إلى قتل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأهدر الرّسول دمه. وجاء عمير إلى رسول الله يقول له: " يا رسول الله إن صفوان بن أميّة سيّد قومه قد خرج هاربا منك إلى البحر على اليمن فرارا وذعرا فهل أمنته؟ فقال الرّسول الكريم " هو آمن"، قال عمير، يا رسول الله فاعطني آية يعرف بها أمانك" فأعطاه الرّسول عمامته التي دخل فيها مكة، وخرج عمير يريد جدّة حيث صفوان قد هرب إليها ينتظر فيها سفينة يركبها إلى اليمن ليعيش هناك بعد أن هزمه الله وهزم الشرك والمشركين وفتح مكة على الإسلام والمسلمين، وأدرك عمير صفوان وهو يريد أن يركب السفينة فصاح عمير: "يا صفوان فداك أبي وأمّي الله الله، ارجع فهذا أمان من رسول الله قد جئتك به" ويردّ عليه صفوان "ويحك أغرب عنّي فلا تكلّمني" ويقول عمير "يا صفوان أفضل الناس، وأبرّ النّاس، وأحلم النّاس وخير النّاس ابن عمّك محمد، عزّه عزّك وشرفه شرفك وملكه ملكك" ويردّ عليه صفوان "دعني وطريقي لن أعود أبدا" ويقول عمير "عد معي إلى مكة وطنك ووطن آبائك وأجدادك، وأنت ابن مكة وشريف العشيرة وسيّد القوم.." ويعود صفوان إلى القول "إني أخافه على نفسي" فيجيبه عمير "هو أحلم من ذلك وأكرم، وينزل صفوان من السفينة ويعود مع عمير إلى بلده مكة.. ولما قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وناداه على رؤوس الأشهاد: "يا محمّد إن هذا جاءني بردائك يزعم أنك أمنتني ودعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أقمت وإلا خرجت في مدّة شهرين لا أتجاوزهما، فيرد عليه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في وقار وجلال: "صدق عمير أنزل أبا أميّة" فيقول صفوان "لا والله لن أنزل حتى تبيّن لي، فبقول رسول الله: "لك أربعة أشهر، وخرج صفوان وهو على شركه مع رسول الله إلى حنين وانتصر الإسلام انتصارا مؤزرا وعاد رسول الله بالغنائم والأموال ومعه صفوان، فجعل صفوان ينظر إلى الوادي وهو مملوء نعما وشاء وأدام النظر ورسول الله يرمقه، فقال له الرّسول: "يعجبك هذا؟" قال: "نعم" فقال له رسول الله: "هُوَ لك" عندها قال صفوان: "فما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبيّ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله". وعاش صفوان في الإسلام مجاهدا حتى توفاه الله إلى رحمته". ويوحي لنا هذا المشهد حبّ الوطن "مكة وطنك ووطن آبائك وأجدادك، وأنت ابن مكة..." والإيمان الصادق حين قال صفوان "فما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبيّ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله" فصح القول "حبّ الوطن من الإيمان" وبالإيمان تطمئن القلوب.