راشد الغنوشي..الباجي قايد السبسي..سليم الرياحي .."نجوم" ما بعد سقوط نظام بن علي، والمرحلة الانتقالية الأولى والثانية التي باتت مهدّدة بالعواصف والأنواء مع استمرار تأزّم المشهد السياسي في مرحلة الشرعية التي عوّل عليها التونسيون لجني ثمار أيام الجمر التي سقط فيها الشهداء وسالت فيها دماء الثائرين بحثا عن الكرامة والحرية والرغيف.. الثالوث المذكور شغل الرأي العام طوال المدة الماضية وصنع الحدث في أكثر من مناسبة وأثار الجدل المحتدم وتسابقت وسائل الإعلام على اختلاف توجهاتها لالتقاط أخباره التي طالما مثلّت مادة إعلامية دسمة للإعلاميين وللمحللين السياسيين.. الثالوث يختلف فكريا وإيديولوجيا وحتى من حيث السنّ ،لكن لكل واحد منهم مكانته في مشهد سياسي فسيفسائي واذا كان قايد السبسي وراشد الغنوشي في واجهة الأحداث وفي وسط دائرة الضوء تماما.. فان سليم الرياحي الملياردير الذي سطع نجمه في سماء تونس بعد الثورة طالما جذب اهتمام الرأي العام وأثار فضوله دون أن تسلّط عليه الأضواء مباشرة.. الشيخ.. وفن المشي على حقول الألغام الشيخ راشد الغنوشي الذي عاد بعد سنوات المنفى ليصنع أمجاد حركة النهضة بعد عذابات السجون والمنافي ظل منذ عودته أسابيع بعد سقوط نظام بن علي يخوض معارك ضارية و مرهقة في داخل التيار الإسلامي للملمة شتات حركته التي شرّدت سياسيا لسنوات، وفي الخارج في علاقة مع الرأي العام المتوجّس من الحركة الإسلامية والمتخوّف على مدنية الدولة وكذلك في علاقة بالخصوم السياسيين الذين لا يفوّتون فرصة لشيطنة حركة النهضة وزعيمها ورغم ذلك استطاعت الحركة الفوز في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بأغلبية غير مريحة خيرت على إثرها حكم البلاد من خلال التحالف الثلاثي مع حزبين علمانيين.. هذه الخطوة كانت ذكية من الحركة لطمأنة الرأي العام حول مدنية الدولة و الحقوق والحريات في ظل حكم الإسلاميين.. ولكنّ درب السلطة لم يكن معبّدا أمام حركة النهضة التي عانت في رحلة حكمها واضطر زعيم الحركة في الكثير من الأحيان الى تقديم تنازلات مؤلمة محاولا اقناع قاعدة حركة النهضة الغاضبة أن الحكم يتطلّب البراغماتية والواقعية..أيام حركة النهضة في السلطة كانت قاسية ومؤلمة على الحركة وعلى الشعب ،فالأحداث الخطيرة والوقائع الجسيمة سجّلت حضورها في أكثر من مناسبة وكانت حركة النهضة تحاول في كل مرة الإفلات من طرفي الكماشة بحنكة ورباطة جأش..لكن تغيير المعطيات الإقليمية وإسقاط حكم الإخوان في مصر بعد احتجاجات مليونية أجبرت العسكر على الانقلاب على مرسي..دفعت حركة النهضة إلى مراجعة حساباتها فالرمال بدأت في التحرّك من حولها.. معركة الخارج وتمرّد الداخل السقوط المدوّي للإخوان في مصر دفع بالشيخ راشد الغنوشي ليكون في المقدمة يدافع على حركته بشراسة ويراوغ خصومه ويباغت أصدقاءه..هذه المرة اختار الغنوشي الأضواء بعد أن كان يمسك بخيوط اللعبة من الكواليس.. الشخصية الواقعية و البراغماتية والوسطية التي سعى زعيم حركة النهضة أن يظهر عليها أمام الرأي العام ودفعته حتى إلى الذهاب الى باريس للقاء "صديقه اللدود" الباجي قايد السبسي في خطوة أثار حنق أتباعه وأنصاره واستغراب مناوئيه ومعارضيه وصاغها في حوار تلفزي تحدّث من خلاله بلغة مختلفة وقرّر التخلّي فيه عن قانون تحصين الثورة التي طالما تمسّكت به حركة النهضة في إطار ما سمته بسياسة القطع مع الماضي ،لكن الغنوشي فعلها وتخلّى عن تحصين الثورة لأجل عيون حليفه المستقبلي القايد السبسي.. هذه الخطوات "الجريئة" للشيخ راشد لم تكن مستساغة بالقدر الكافي من مريديه وأتباعه والذين طالما أقسموا برأسه وشهدنا تصريحات متمرّدة وخطوات في الاتجاه المعاكس من نواب الحركة في المجلس التأسيسي ووزراء في حكومة الترويكا وبتنا نرصد ثلاثة مواقف متباينة للحركة في التأسيسي وفي الحزب وفي الحكومة.. لكن رغم بوادر" التمرّد" المحتشمة على رؤى الشيخ فهو ما زال يمسك بكل خيوط اللعبة ويمثّل الثقل السياسي والتاريخي وواجهة حركة النهضة في الداخل وفي الخارج ..فلا معنى لحركة النهضة دون زعيمها وشيخها. قايد السبسي.. «الرجل الذي يفعل ما يريد» لم يخف الباجي قايد السبسي يوما حبّه للأضواء و نهمه للسلطة تساعده في ذلك حنكة سياسية وسرعة بداهة وبصيرة ثاقبة وبلاغة وجرأة يفتقدها جلّ السياسيين الموجودين.. "سي الباجي" كما يدعوه الأصدقاء و"الأعداء" يدرك جيّدا أن السياسة فن الممكن وأنه ليكون في المقدمة يتعين الرقص على كل الحبال دون أن يسقط وأن فن السياسية يخضع للمتغيرات أكثر من الثوابت.. بعد انتخابات أكتوبر 2011 بأشهر، أعلن السبسي ولادة نداء تونس، الحزب الذي اتخذ من البورقيبية مرجعية لاستقطاب كل التيارات من اليسار واليمين، في استغلال للذاكرة الجماعية للتونسيين الذين ما زال الزعيم بورقيبة يحتل حيزا هاما من وجدانهم..كما ساعدت العلاقات الخارجية لقايد السبسي ودور الزعيم الذي يلعبه في الداخل في ولادة نداء تونس كحزب كبير.. ولادة نداء تونس والعمل على تحشيد كل القوى الحية حوله كان ديدن الباجي قايد السبسي منذ البداية والذي أراد أن يرّد على طريقته حول ما اعتبره طعنة في الظهر من حركة النهضة التي لوّحت له بمنصب الرئيس ثم سحبت البساط من تحت أقدامه.. نداء تونس وبعد أن برز كقوة مضادة حسب ما أكّدته عمليات سبر الآراء في طريقه الى أن يكون حليف النهضة في السلطة وشريك في الحكم..فاللقاء التاريخي بين «الشيخين» والذي نظّمته شخصيات فاعلة في كواليس المشهد لم يحلحل الأزمة الراهنة بقدر ما كان "عهد سياسي سرّي" لوضع استراتيجية عمل مشترك في قادم الأشهر وربما السنوات القادمة..فمصير البلاد سيتقاسمه على ما يبدو الإسلاميون الدساترة الجدد الذين يعتبرون أنفسهم الورثة الطبيعيين للسلطة.. " فسي الباجي" الذي مشى على الألغام لان خصومه لم ينفكوّا عن النبش في دفاتره القديمة ومنها قضية اليوسفيين المتهم فيها السبسي رأسا، استطاع أن يجهض قانون تحصين الثورة ،بطريقة تنم عن صفقة سرية بين الشيخين ..والتاريخ وحده كفيل بكشف تفاصيلها ذات يوم.. «سي سليم».. الملياردير الغامض قبل سقوط نظام بن علي لم يكن اسم سليم الرياحي يعني شيئا للتونسيين ،لكن بعد 14 جانفي بأشهر قليلة سطع اسم سليم الرياحي في سماء تونس،رجل أعمال شاب يعود إلى تونس قادما من ليبيا محمّلا بثروة طائلة طالما أثارت الفضول والأقاويل ،لم يستغرق الرياحي وقتا طويلا في تأمل المشهد وانخرط مباشرة في اللعبة السياسية معلنا عن ولادة حزبه الوطني الحرّ الذي لفت الانتباه اليه بتلك الحملة الانتخابية الضخمة والتي نعتقد أنها كانت الأغلى في تونس قبل انتخابات أكتوبر ..لكن حملة " توّه " الباهضة كانت نتائجها هزيلة ومخيبة لتطلّعات سليم الرياحي الذي كان يريد البحث عن السلطة والنفوذ..لكن هذه الخيبة لم تثني الملياردير الشاب من التغلغل في المجتمع وضمان ولاء شق كبير منه فعوّل هذه المرة على كرة القدم ،معبودة الجماهير، ليتولّى رئاسة جمعية النادي الافريقي الفريق العريق ذو القاعدة الشعبية العريضة..لكن في رحلة صعوده الصاروخي الى مصاف الكبار وبحثه المضني عن السلطة والنفوذ لم يكتف الرياحي بالسياسة والكرة بل اقتحم المجال الإعلامي من خلال اقتناء ذبذبات قناة التونسية التي أدت في النهاية إلى انهيار القناة والتي كانت متصدّرة المشهد الإعلامي واليوم تروج الأخبار عن نيته في شراء نصيب سامي الفهري من مؤسسة كاكتوس مقابل صفقة يستفيد منها الفهري.. الرياحي لا يحتكر الأضواء لكن يلعب عديد الأدوار في الكواليس ومنها تنظيمه "لوجستيا" لذلك اللقاء الباريسي التاريخي والذي جمع شيخا السياسة في تونس..بطموحات لا تنتهي وبغموض مثير للجدل يواصل سليم الرياحي "التهام" كل ما يطاله برغبة جامحة في الوصول الى القمة. رغم الاتهامات التي تحاصر سليم الرياحي لكنه وكما قال في حوار رياضي مع جريدتنا " المتغطّي بالأيام عريان" وفعلا الأيام والتاريخ هي من سيحكم على سليم الرياحي بالبراءة أو الادانة..