«بغداد تحولت إلى مدينة للأيتام... والجامعات هجرها الباحثون والطلبة» بغداد باتت عاصمة الايتام و جامعاتها تحن الى طلبتها وباحثيها الذين هجروها. بهذه الكلمات المتقطعة ردت وجدان عناد عندما سالتها عما يحدث في جامعات بغداد من استهداف للطلبة والاساتذة على حد سواء ومن محاولات لترهيب العقل والفكرالعراقي قبل ان تضيف متحسرة مالذي يمكن ان احكيه عن بغداد وجامعاتها وعن اهلها ومعاناتهم اليومية .... وجدان فريق عناد الجامعية التي لا تزال حتى الان متمسكة بالبقاء في بلدها املا في فرج قريب لا تزال مصرة على الوصول كل يوم الى كلية التربية ابن رشد بجامعة بغداد حتى تبقى على اتصال دائم مع تلك القلة القليلة من الطلبة الذين يداومون.. في طهران حيث حرصت وجدان على ان تصحب معها ابنتها بلسم ذات الخمس سنوات كان هذا اللقاء الذي تحدثت فيه وجدان عن الحياة اليومية للمواطن العراقي وللام العراقية في مواجهتها اليومية للموت والسيارات المفخخة في الاسواق الشعبية والشوارع وفيما يلي نص هذا الحوار -كيف تصف وجدان المشهد في الجامعات العراقية؟ من المهازل الحاصلة في بغداد العلوم والمعارف ان الجامعات العراقية تكاد تكون خالية اليوم من الاساتذة الجامعيين والباحثين فغياب الامن و عمليات الخطف والتهديدات بالقتل دفعت بالكثرين الى الهجرة اما خوفا على حياتهم او هربا من الجحيم اليومي فقد كان قسم كبير من هؤلاء الجامعيين كغيرهم من العراقيين في حزب البعث قد تعرضوا بعد الاحتلال اما للاقصاء والاجتثاث او حتى مواجهة التهديدات بالقتل الامر الذي دفع بهم الى الهرب خارج العراق بحثا عن العمل وقد اعدتهم لذلك كفاءاتهم المشهود بها والمعترف بها في كل انحاء العالم .و لكن ما تعيشه جامعاتنا اليوم وقد باتت مهجورة يدعو للحزن عليها والبكاء فقد تحول الكثير منها الى خراب و الامكانيات تكاد تكون معدومة والدراسة توقفت في اغلبها والغيت الاختصاصات واقتصر الامر في بعض الجامعات على دراسات اولية .وببساطة فان الخدمات تكاد تكون معدومة ومن يطمح للبقاء في بلاده عليه ان يتحمل الكثير. بغداد باتت مدينة اشباح ولكن من بقي فيها من اهلها مازالوا صامدون -كيف تفسر وجدان ظاهرة استهداف الجامعيين والباحثين والعلماء العراقيين؟ - قرار الاحتلال اتخذ في الكونغرس منذ سنة 2000 وهو مشروع كبير وضخم فالامريكيون يدركون ان العراق مفتاح العالم وطريق السيطرة على ايران ومصر وبقية العالم العربي وثرواته النفطية واستهداف العقل العراقي خطة معلنة وواضحة فالعراق كان ميزته التقدم العلمي ونحن نعيش اليوم خطة كبيرة لتدمير العقل والفكر فعندما يخلو البلد من خبرائه وعقوله ومفكريه فهو لن يتقدم والامر لا يتوقف عند حدود الجامعيين والباحثين بل يتعدى ذلك الى الطلبة الجامعيين الذين بات عددهم لا يفوق عدد اصابع اليد الواحدة بعد ان رأوا زملائهم يذبحون تحت انظارهم في الحرم الجامعي وتلاميذ المدراس توقفوا عن الذهاب الى المدرسة والحال نفسه ينطبق على المستشفيات التي تعيش بدورها نقصا حادا في الكوادر والاطباء هذا طبعا الى جانب النقص الفادح في ابسط انواع الادوية المطلوبة لتضميد الجراح او تسكين الالام واذا سالت أي عراقي عن حياته سيقول لك «الفرج على الله» والناس لديهم شعور بان اليوم افضل من الغد والعراقي بات لا يطمح الى اكثر من الساعة التي يعيشها فالارهاب في كل مكان يستهدف التلاميذ والطلبة ويستهدف المواطن في الشارع وحتى في بيته او في الاسواق الشعبية. -هل لهذا السبب جلبت بلسم معك الى ايران؟ -واحد من الاسباب بلسم معي لاني تركت طفلي الصغير مع والدتي وهي ترعى كذلك ابني شقيقي الذي قتل بالرصاص لانه كان ضابط في الجيش وقد عادت امهم كما هي العادة لدى العائلات العراقية لتعيش مع اهلها وقد توليت رعاية ابناء شقيقي بناء على اتفاق مع عائلتها.. الوضع الامني خطير جدا واذا كانت رحلة الوصول بين مطار بغداد ومطار طهران تستغرق ثلاث ساعات فان رحلة الوصول من المطار الى بيتي تتطلب خمس ساعات و ربما اكثر لقد عشنا خلال السفر الكثير من المخاطر وشهدنا انفجار عبوة ناسفة وقعت على بعد نحو مائة متر من سيارتنا استهدفت الجيش العراقي وتسببت في سقوط عشرات الضحايا مما اضطرنا الى التاخر ساعات طويلة انتظرنا خلالها اجلاء اشلاء الضحايا والمصابين من الطريق وكنت طوال تلك الساعات احاول ان اجعل بلسم لا ترى ما يدور حولها ولا ادري ان كانت شاهدت ما شاهدناه ... -اثار عراقية كثيرة سلبت ونهبت خلال الايام الاولى للاحتلال فهل هناك محاولات لاستعادها؟ -كنت شاهد عيان ليلة دخول الاحتلال الى بغداد ليلة العشرين من مارس 2003 اصيبت ابنتي بلسم بارتفاع شديد في الحرارة وكان عمرها لا يزيد عن السبعة اشهر وكنت اطوف شوارع بغداد بحثا عن طبيب لها بالفعل رحب عراقيون كثيرون يومها بالقوات الامريكيين فقد كانوا ينتظرون شيئا ولكنهم اكتشفوا لاحقا نوايا الاحتلال ومخططاته ما رايته في تلك الليلة يفسر الكثير من الاحداث اللاحقة كانت القوات الامريكية منتصبة امام مخازن وزارة التجارة كانوا ينادون على الناس ليدخلوا وياخذوا ما يشاؤون فتحوا لهم ابواب المخازن على مصراعيها كانت القوات الامريكية توزع على الناس اكياس بها حشيش رايتها بعيني .والموقع الوحيد الذي انتصبت القوات الامريكية لحمايته كان مقر وزارة النفط لم يتركوا احدا يقترب منها او يدخلها وانا على اقتناع ان ما سلب من اثار و تحف عراقية سيظهر بعد سنوات في المتحف البريطانية والامريكية خاصة و انه قد تم الكشف عن محاولات قام بها جنود امريكيون و بريطانيون بتهريب بعضها. -وكيف ترى وجدان اليوم دور المثقف العراقي في بلده المحتل؟ -يؤسفني ان اقول انه لا دور للمثقف العراقي اليوم النخبة تركت البلاد و غادرت و من لم يغادر طوا قتل او اختطف واذا استمر الوضع على حاله لن يجد احدا منهم في العراق وحتى من يتولى منصبا في الحكومة العراقية عليه ان يغادر بعد انتهاء مهمته. -و ماذا عن مصير العلماء الذين تم سجنهم بعد الاحتلال؟ -ليس لدينا الكثيرمن التفاصيل ما اعلمه ان هدى عماش غادرت العراق بالاتفاق مع الامريكيين و الدكتورة جرثومة مصابة بمرض خطير والكثيرون اما هاجروا او اختفوا... - كيف تفسرين ظاهرة الاقتتال بين العراقيين و العنف الطائفي المستشري بين السنة و الشيعة و الاكراد او غيرهم؟ -الاحزاب هي التي تتقاتل فيما بينها بغداد تتحول في النهار الى جبهة قتال وفي الليل الى مقبرة ظلام دامس تجوبها الكلاب السائبة واول من يغادر بيته بعد انتهاء الحظر الليلي المفروض من الساعة الثامنة مساء الى غاية السادسة صباحا لا بد وان يعثر على عدد من الجثث المشوهة على الطريق اغلبها جثث مشوهة انتزعت بعض اعضائها و قطعت اطرافها والمشكلة هنا انه خلال الحظر لا يتواجد في الشوارع غير القوات الامريكية والشرطة العراقية ثم نجد هناك من يتساءل عمن يقف وراء تلك الجثث الكثيرة في شوارع بغداد. العراقيون يعرفون ان الرصاص الذي يستعمله الجيش الامريكي من النوع الذي يتفتت داخل الجسم و هذا ما يمكن معرفته بسهولة بعد تشريح الجثث اما نوع السلاح الذي تستعمله الميليشيات فهو من صنع محلي و السلاح كثير الانتشار في العراق منذ ان تم حل الجيش و حل الوزارات ومؤسسات الدولة. ما نعيشه اليوم تحول بغداد الى مدينة للايتام فليس هناك بيت ليس فيه يتيم او ايتام لا يوجد بيت لم يقتل فيه اب او اخ او عم او ... والشيء الوحيد الذي يتفق بشأنه الامريكيون والحكومة العراقية يتعلق باتفاقات النفط والصفقات التجارية وهي وحدها التي يكتب لها تحقيق نتائج ملموسة ولكن المواطن العراقي لا يرى منها شيئا.