الرسالة الأولى التي يمكن استخلاصها في أعقاب عملية قبلاط الإرهابية التي ذهب ضحيتها اثنان من رجالات العائلة الأمنية وهي أن استهداف الامن والأمنيين لا يمكن الا أن يعزز الإرادة ويعمّق مشاعر الوطنية ويزيد رجال الامن إصرارا وثباتا في الدفاع عن الوطن وتكريس مبادئ الجمهورية والامن الجمهوري واقتلاع جذورالإرهاب من البلاد , أما الرسالة الثانية التي لا تخفى على مراقب والتي لا يدركها الارهابيون الطغاة الذين أعمى الحقد قلوبهم وبصائرهم فهي أن استهداف حماة الوطن لا يمكن الا أن يؤدّي الى عكس ما يريدونه وسيزيد حتما ثقة واحترام واجلال وتقديرالرأي العام للامنيّين الوطنيين النزهاء الذين يجعلون حماية تراب تونس والدفاع عن شعبها فوق كل الحسابات والاعتبارات.. ليس الهدف من هذه السطورالدخول في تفاصيل ما حدث قبل يومين في قبلاط والتي أصابت التونسيين بصدمة لا حدّ لها, فتلك مسؤولية الخبراء الأمنيين والسياسيين ولكن الأكيد أن ما عاشه التونسيون طوال الساعات القليلة الماضية لم يخرج عن اطار مختلف التحذيرات الصادرة عن وزارة الداخلية بشأن احتمال وقوع عمليات إرهابية أو تفجيرات وشيكة في البلاد أيام العيد وهو أيضا ما كانت السفارة الامريكية حذرت منه رعاياها قبل شهرمن الآن, على أن ما يجب التوقف عنده بالإضافة الى ما تشهده دول الجوارلا سيما ليبيا التي باتت أشبه بثكنة مفتوحة لتهريب السلاح والعصابات المسلحة والمقاتلين الذين باتوا ينظرون الى تونس على أنها أرض جهاد أن الأيام القادمة قد تكون أكثر قتامة وأشد خطورة على اعتبار أن الإرهاب أعمى وقاموس الإرهابيين لا يعرف الاستثناءات... طبعا لن نضيف جديدا اذا اعتبرنا أن الإرهاب خطرقائم يهدّد البلاد والعباد ويستهدف كامل المنطقة اليوم فتلك حقيقة لا تحتاج إثباتا الا لمن يصرون على إنكارالواقع, ذلك أن تكررالاغتيالات الغامضة والاعتداءات الإرهابية من جبال الشعانبي بالقصرين الى جبال التلة بقبلاط وما بينهما من محاولات لاختراق وضرب المقرات الأمنية الحدودية وتهديد أمن المواطنين لا يمكن الا أن يواصل دق ناقوس الخطرمجددا ولعل فيما اكنشفه رجال الامن حتى من ذخيرة ومن أسلحة ومتفجرات وغيرها من وسائل الخراب والدمار من شأنها أن تعكس مخططات أصحابها وتفضح استراتيجيتهم واستيقاظ تلك الخلايا الإرهابية النائمة المتخفية في الجبال والمناطق النائية لتنفيذ جرائمها والرهان بالتالي على تشتيت الجهود كل ذلك بهدف تخفيف الحصارعلى الإرهابيين المتحصّنين بجبال الشعانبي.... وبالعودة الى ما سلف فقد كان يوم أمس عصيبا فعلا, ولم يكن عاديا في شيء على التونسيين وهم يقفون مجددا في وداع كوكبة أخرى من حماة الوطن شهيدي العائلة الأمنية الملازم أول محمود الفرشيشي وعون الحرس حمدي عون وقد التحقا في وقت أحوج ما تكون فيه تونس الى كل أبنائها ورجالاتها للتصدي للخطرالإرهابي الزاحف بقائمة من سبقهم من قوافل الشهداء الذين سقطوا ضحية للإرهاب ومروجي ثقافة الموت والفناء والدمار.. وفي خضم تعقيدات المشهد وتحدياته الآنية والمستقبلية فان ما حدث في ثكنة العوينة بالتزامن مع مراسم تأبين الشهيدين كان وبكل صراحة أمرا متوقعا مع تفاقم مشاعرالغضب والاحتقان في صفوف شريحة واسعة من الأمنيين ليس بسبب الإعلان المتأخرللحداد الوطني على شهداء الوطن والذي كان له وقعه العميق والسيّء على نفوس أغلبية الأمنيين ولكن بسبب السياسات الخاطئة وغياب الإرادة والتردّد في ردع الإرهاب والإرهابيين منذ اليوم الأول الذي أقدم فيه أحد المتطرفين على إهانة راية تونس وإنزالها على الملإ من على قلعة جامعة منوبة مرورا باغتيال بلعيد والبراهمي وجنود الشعانبي واعتداء على الزوايا والنخب والمثقفين وهيمنة المتشدّدين على المنابر وغيرها.. بالتأكيد لا يمكن لعاقل أن يتشفى بما حدث أو يقبل باهانة رموزالسلطة في البلاد مهما انتقدهم أو يقبل باقصاء رئيس الجمهورية الذي يبقى برغم صلاحياته المحدودة قائد القوات المسلحة تماما كما لا يمكن لعاقل أن يقبل بالدعوات لملاحقة الأمنيين الذين تمرّدوا في تلك اللحظات خوفا على أمن البلاد وربما أن الأوان آن للتوقف جديا وبعيدا عن العاطفة عند حادثة العوينة من أجل لحظة صدق ومراجعة واعتراف لكل الأخطاء السابقة ومحاولة تصحيح المسارقبل أن تغرق السفينة بمن فيها.. ندرك جيّدا أن مثل هذا الكلام سيزعج الكثيرين ولكن همنا أبعد ما يكون عن إرضاء أصحاب السلطة فمصلحة تونس اليوم وأمن شعبها وسلامة حدودها ومستقبل أبنائها يقتضي وأكثر من أي وقت مضى أن نكون واقعيين وأن نكون على قدرمن الحذروالاستعداد لمواجهة الأسوإ. وفي انتظارصحوة الطبقة السياسية المتناحرة على سلطة زائلة حتى وان كانت صحوة متأخرة فان الأكيد أن كل تونسي اليوم ومهما كان موقعه لن يتردّد في رفع صوته ليردّد ما يردّده حماة الوطن كل صباح تحت راية تونس تلك الكلمات الخالدة "صامدون صامدون لا نهاب الموت لا نخشى المحن صامدون في وجه أعداء الوطن لن نسكت لمن ظلم حتى لو متنا في القتال كفنونا في العلم"