يعكس العراقي نوار محمد بزيه العسكري الذي يحمل شعارات الفصائل الشيعية والعصبة الخضراء التي تلف رأسه، صورة نمطية عن المقاتلين الشيعة الذين حملوا السلاح ضد تنظيم "داعش"، باستثناء تفصيل واحد: هو سني. محمد هو واحد من نحو 250 سنيا من بلدة العلم انضموا الى "عصائب أهل الحق"، احدى أبرز الفصائل الشيعية المدعومة من طهران، لقتال التنظيم الذي سيطر على بلدته الواقعة شمال تكريت (110 كلم شمال بغداد). واكتسبت العصائب خلال الاعوام الماضية، سمعة بأنها من أشرس المجموعات الشيعية، ويتهمها السنة في العراق بارتكاب اعمال خطف وقتل واسعة بحقهم، لا سيما خلال الحرب المذهبية بين 2006 و2008. وفي حين كان مستحيلا في السابق رؤية مقاتلين سنة ينضمون الى العصائب، الا ان القتال ضد خصم مشترك هو تنظيم "داعش" الذي يسيطر على مساحات واسعة من العراق منذ جوان، قلب بعض المفاهيم. ويقول محمد لوكالة فرانس برس ورشاشه من طراز "كلاشينكوف" يتدلى من كتفه "كل العالم تفاجأ بهذا.. للمرة الأولى في تاريخ العصائب تتشكل مجموعة سنية" تابعة لها. ويضيف "العصائب دربتنا، وأصبحنا جزءا من العصائب". ويتابع "عصائب، سنة او شيعة... لا فرق. هذه الظروف وحدتنا"، في اشارة الى سيطرة التنظيم الجهادي على مناطق واسعة، وتنفيذه عمليات قتل جماعية واسعة بحق العناصر الشيعة في قوات الامن، او السنة المعارضين له. ويقول محمد "ان شاء الله، لن يكون ثمة مزيد من الطائفية". ويعد تشكيل هذه المجموعة إشارة إيجابية على تعاون سني شيعي في القتال جنبا الى جنب، على رغم الخلافات المذهبية الحادة التي تحولت غالبا، لا سيما بعد الاجتياح الأمريكي في العام 2003، الى محطات دموية. ويحمل تشكيل هذه المجموعة التي تعرف باسم "عصائب العلم"، فوائد للطرفين: فالمقاتلون السنة يكتسبون تدريبا ودعما يمكنهم من الدفاع عن مناطق تواجدهم، في حين تحاول "عصائب اهل الحق" تغيير السمعة المرتبطة بها اذ تتهم بارتكاب إساءات بحق السنة. وعلى رغم من التدريب المحدود الذي تلقوه، حمل مقاتلو "عصائب العلم" السلاح الى جانب مقاتلي الفصائل الشيعية وعناصر من القوات الامنية، لاستعادة بلدتهم خلال الايام الماضية، ضمن عملية واسعة لاستعادة مدينة تكريت ومحيطها بدأتها القوات العراقية في الثاني من مارس. ويقول حسين عبد العباس وهو شيعي من "عصائب اهل الحق" في منطقة قريبة من العلم، ان الهدف من تشكيل مجموعة سنية هو "ضرب الطائفية". ويضيف ان "أهل مكة أدرى بشعابها"، للإشارة الى ان وجود مقاتلين من أهل المنطقة، يساعد في العمليات العسكرية، نظرا لمعرفتهم بالأرض. ويقول جاسم الجبارة، رئيس اللجنة الامنية في محافظة صلاح الدين ومركزها تكريت انه شجع قيام مجموعات مماثلة في مناطق أخرى. ويوضح لفرانس برس "في العلم، ابناء المنطقة يمسكونها"، مضيفا "لا توجد قوات امنية"، قبل ان يتابع "لا أحد يعبث، لا تدمير، لا تخريب". وتبدو العلم احدى اقل البلدات المستعادة من تنظيم "داعش" تضررا، لا سيما إذا ما قورنت بمنطقة البو عجيل القريبة، والتي تتهم الفصائل الشيعية بعض سكانها بالتعاون مع تنظيم "داعش". وتعرضت منازل في البو عجيل للحرق من دون ان يكون في الامكان التأكد من سبب ذلك. ويقول سكان العلم ان ابناء عشيرة الجبور السنية قاتلوا التنظيم قبل سيطرته على البلدة، وهو ما جعل من هؤلاء اهدافا له. ويوضح محمد بانه بعدما سيطر عليها الجهاديون، "لم أخرج (من البلدة). بقيت في المنزل. المسافة بين منزلي ومنزل عمي هي 100 متر. كنت اذهب اليه واعود فقط". ويضيف ان الناس "لم يكونوا في مأمن، لا في الشارع، ولا هم يتناولون الطعام او ينامون... لم يكن ثمة حياة". ويشير محمد المولود في 1991 الى ان الجهاديين حددوا مكانه وأطلقوا النار عليه محاولين قتله. الا انه تمكن من الهرب قبل ان يختبأ في منزل تشغله نساء. بعد ذلك، غادر المنزل الى خارج البلدة ثم انضم الى المجموعة التي عرفت لاحقا باسم "عصائب العلم". ويتزعم هذه المجموعة الشيخ خالد الجبارة أحد وجهاء العشيرة. ويرتدي الشيخ زيا عسكريا يحمل شعار "عصائب اهل الحق" ويلف رأسه بوشاح اسود تحول الى ما يشبه العمامة. ويقول ان عناصر التنظيم المتطرف "يعتبروننا كإخواننا الشيعة"، في اشارة الى نظرة الجهاديين للشيعة على انهم "رافضة" يجب ان يتعرضوا للقتل. يضيف "اليوم، ثمة أكثر من 600 شاب من هذه المنطقة احتكوا مع ابناء الجنوب"، في اشارة الى المقاتلين الشيعة القادمين بمعظمهم من محافظاتجنوبالعراق. ويتابع "اعتقد ان هذه العملية هي علاج للعراق". (فرانس 24)