أدانت مساء أمس الأول الثلاثاء المحكمة الجنائية بكاتانيا بجزيرة صقلية بالجنوب الايطالي برئاسة القاضي دانيالا موناكو كريا المتهمين الرئيسيين في فاجعة "الحرقان" التي جدت قبالة السواحل الليبية يوم 18 افريل 2015 وراح ضحيتها حوالي 700 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقية وآسيوية مختلفة من بينها المالية والغمبية والسينغالية والصومالية والإريترية فيما نجا 28 منهم بأعجوبة، وقضت بسجن المتهم الرئيسي وهو تونسي يدعى نور الدين محجوب (28 سنة) لمدة 18 سنة بعد ان وجه له الادعاء العام بمدينة كاتانيا تهم "القتل، والتسبب بالغرق والمساعدة على الهجرة غير الشرعية" فيما قضت بسجن شريكه السوري لمدة خمسة أعوام ومنعهما من الوظائف العامة في ايطاليا وبتعويضات مالية للضحايا والمتضررين في حدود 9،3 مليون أورو أي حوالي 22.3 مليون دينار تونسي. المتهم التونسي الذي قدم -اثناء التحري معه - هوية "مضروبة" وهي محمد علي مالك، هو في الحقيقة شاب تونسي قاطن بحي سيدي سالم الشعبي بمعتمدية الشابة من ولاية المهدية، وينحدر من عَائِلة متواضعة الإمكانيات المادية، هاجر قبل سنوات خلسة إلى ايطاليا ثم تحول إلى فرنسا إلا أن السلطات هناك قررت ترحيله ليعود مجددا إلى مسقط رأسه لممارسة بعض الأعمال في قطاع النجارة. نفي وتمسك بالبراءة أمام محكمة كاتانيا نفى نور الدين محجوب المكنى في بلدته ب»ولد الرجيشي» مسؤوليته عن الفاجعة البحرية وأكد انه لم يكن «رايس» المركب بل كان مجرد مشارك في الرحلة البحرية غير الشرعية، ولكن المشتبه به الثاني الذي قدم نفسه باسم محمد بخيت من سوريا فقد وجه أصابع الاتهام للشاب التونسي وقال:» التونسي هو الذي كان يقود المركب» متنصلا من أية مسؤولية في وقوع الفاجعة، وأمام المحكمة الجنائية تمسك نور الدين بأقواله المسجلة عليه لدى باحث البداية، ولكن المحكمة لم تجاره في اعترافاته واعتبرته متهما رئيسيا بعد توفر عدة قرائن مادية تدينه. صدمة في الشابة هذا الحكم شكل صدمة لدى الرأي العام في الشابة وخاصة لدى أهله واجواره الذين لم يصدقوا إلى اليوم ان نور الدين قادر على قيادة مركب صيد وهو الذي لا يفقه قيادة المراكب، حيث أفادنا شقيقه مكرم في وقت سابق بأنه لن يصدق أن نور الدين «رايس» المركب الغارق، مضيفا:» نور الدين لا يفقه قيادة المراكب، ولا خبرة له في ميدان الصيد البحري ولا يعرف المسالك البحرية فكيف يصبح بين عشية وضحاها «قبطانا».. هذه افتراءات.. افتراءات..». وأكد مكرم الذي كان في حالة نفسية سيئة، أن شقيقه هاجر قبل الثورة إلى إيطاليا انطلاقا من سواحل الشابة، واستقر بمدينة «مادزارا ديل فالو» ثم تسلل إلى فرنسا للعمل في حضيرة دهن، ولكن قبل نحو ثلاثة أعوام أوقفه الأمن الفرنسي بينما كان متوجها صباحا إلى عمله بمدينة ليون بسبب عدم تحوزه بوثائق الإقامة وقرر ترحيله إلى تونس. عمل في النجارة وقال مكرم إن نور الدين- الذي انقطع عن الدراسة منذ السنة الرابعة ابتدائي - وبعودته إلى الشابة» حاول العمل في قطاع الصيد البحري إلا أنه فشل بسبب عدم قدرته على تحمل الأمواج وعدم فهمه في طرق الصيد إضافة إلى إصابته بالدوار لذلك انقطع سريعا وحول أنظاره إلى قطاع النجارة، مضيفا أن شقيقه تحول يوم الأحد 12 أفريل 2015 إلى مدينة صفاقس لاقتناء بعض الملابس، «ولكن بتجوله في الجهة صادف أن تعرف على شخص ليبي فأشعره بأنه يملك مقهى واقترح عليه السفر معه إلى ليبيا للعمل مقابل ألف دينار ليبي شهريا». عبور دون جواز سفر وأكد محدثنا أن شقيقه أعلم الشخص الليبي أن جواز سفره بقي في إيطاليا وبالتالي لا يمكنه السفر إلى ليبيا عبر المعابر الحدودية، "ولكنه طمأنه وأكد له أنه قادر على مساعدته في السفر إلى ليبيا فرافقه في الحين، وسافر شقيقي إلى ليبيا عبر نقطة حدودية بالجنوب التونسي دون أن يكون بحوزته جواز سفره"، وهو ما يطرح أكثر من نقطة استفهام. وختم بالقول:"اتصل بي هاتفيا قبل الفاجعة وأعملني بأن أطرافا ليبية مسلحة هددته بالقتل إن لم يشارك في «الحرقة» وافتكت أمواله وأجبرته على الصعود إلى المركب". نور الدين.. ضحية أما والدة نور الدين السيدة وسيلة أمبية فقالت إن فلذة كبدها «ضحية أطراف ليبية غرّرت به واستدرجته إلى ليبيا ثم هددته بالسلاح للمشاركة في عملية «حرقان» نحو إيطاليا بعد أن افتكوا منه أمواله» ، وأضافت بعبارات متقطعة:» اليوم أنا عاجزة عن تصديق ما حصل لابني» ووجهت السيدة وسيلة رسالة إلى السلطات التونسية كي تهتم بقضية ابنها قائلة:» ابني تونسي لحما ودما.. هو في حاجة اليوم للتوانسة الكل باش ياقفو معاه.. ابني ضحية.. وعمرو ما كان «حرّاق».. ولدي ما يفهمش في البحر»، وطالبت الأم الملتاعة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومصالح وزارة الشؤون الخارجية بالوقوف إلى جانب ابنها معتبرة إياه ضحية ل»مافيا» ليبية وليس متهما. ابني ليس "حرّاقا" السيد عبد الحميد محجوب الذي كان بدوره في حالة نفسية صعبة بعد أن شاهد صور ابنه تتصدر نشرات الأخبار العالمية، قال في اتصال سابق مع»الصباح» أن «نور الدين موش حرّاق.. لا يفقه شيئا في عالم البحر..عمل يومين أو ثلاثة معي على متن مركب صيد وكان في كل مرة يصاب بالدوار لذلك خير العمل في النجارة إلى أن حلت بنا هذه الفاجعة التي قلبت حياتنا رأسا على عقب.. لم نصدق بعد ما حصل... فابني يستحيل أن يكون «رايس» المركب الغارق.. فهو لا يعرف القيادة ولا يفقه شيئا في أمور البحر ومسالكه..» موجها أصابع الاتهام إلى أطراف ليبية دفعته للحرقان، وختم بالقول:» نرجو من كل السلطات التونسية في إيطاليا أن تولي الموضوع العناية اللازمة فابني ضحية وليس متهما كما تروج له الصحافة والسلطات الايطالية». اللغز يذكر ان حوالي 700 شخص، بينهم عدد غير معروف من الأطفال، شاركوا في عملية «الحرقان» على متن مركب لا يتجاوز طوله 20 متراً ما تسبب في مواجهتهم لصعوبات كبيرة أثناء الإبحار خلسة قبل أن يغرقوا اثر تحركهم الجماعي لدى اقتراب باخرة شحن برتغالية وصلت لنجدتهم، ما تسبب في مصرع 700 شخص وإنقاذ 28 آخرين بينهم الشاب التونسي نور الدين محجوب الذي من المنتظر ان يستأنف الحكم الصادر في شانه. صابر المكشر جريدة الصباح بتاريخ 15 ديسمبر 2016