"المعطيات التي بين أيدينا اليوم لا تشير إلى أي بارقة أمل للحل الآن، لأن الأمر لا يحدث فجأة". بهذه الكلمات أجاب وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة على سؤال صحيفة الشرق الأوسط السعودية عن توقعاته لحلالأزمة الخليجية قريبا، في حوار نشرته الصحيفة اليوم. تقدير رأس الدبلوماسية البحرينية لأفق أزمة حصار قطر ربما مرده عدم وجود نية لدول الحصار الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) اتخاذ خطوة إيجابية في اتجاه الحل الدبلوماسي، و/أو عدم القناعة بأن حليف كافة أطراف الأزمة والطرف القادر على حسمها بشكل فاعل، ليس فاعلا في ممارسة دوره المفترض لإنهاء الخلاف في البيت الخليجي. وزير الخارجية البحريني وصف -في الحوار ذاته- أداء وزير الخارجية الأميركي المقال ريكس تيلرسون بأنه "لم يكن محايدا" في وساطته بين قطر ودول الحصار، وأرجع ذلك إلى أن تيلرسون "لديه علاقات قديمة مع قطر -منذ أن كان يعمل في إحدى شركات النفط- مع الأسرة الحاكمة في قطر، وتربطهم مصالح مشتركة". وناقض نفسه في الفقرة نفسها بقوله "المسألة ليست في تيلرسون، فعلاقتنا مع الولاياتالمتحدة لا ترتبط بالأشخاص، بل ترتبط بسياسة تحالف قديمة وقوية ومستمرة". حديث الوزير البحريني يحيل إلى الجدل القديم المتجدد حول حقيقة الموقف الأميركي من الأزمة الخليجية على مدى عام من فرض الحصار على قطر، بين من يرى ازدواجية وتمايزا في الموقف وسبل حل الأزمة بين الخارجية والدفاع من جهة، وبين البيت الأبيض من جهة أخرى. وقراءة أخرى ترى أن واشنطن منشغلة بقضايا وأزمات أكثر إلحاحا وخطورة من الأزمة الخليجية، ما دام أن سقف الأزمة تحت السيطرة، وبعيدا عن التصعيد العسكري، الذي يمكن أن يهدد أمن الخليج. ما بدا أنه تمايز في المواقف داخل الإدارة الأميركية تجاه معسكري الأزمة خلال عهد تيلرسون، وتفاؤل دول الحصار برحيل الرجل، ومجيء مايك بومبيو على رأس الدبلوماسية الأميركية، انقلب إلى خيبة أمل بعد مطالبة بومبيو الدول الأربع بإنهاء حصار قطر. ووصفت نيويورك تايمز الرسالة التي حملها الوزير الأميركي للسعودية في إطار أول جولة خارجية له منذ مصادقةالكونغرس على تعيينه وزيرا للخارجية بالبسيطة والواضحة، وأكدت أن بومبيو -مدير الاستخبارات السابق المحسوب على من يسمون جناح الصقور في إدارة الرئيس دونالد ترامب- حمل رسالة مفادها "كفى كفى" للحصار على قطر. وزادت خيبة أمل دول الحصار بعد استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وقوله عقب اللقاء "الأمور تسير بشكل ممتاز مع قطر"، مشيدا بجهود أميرها في الحفاظ على الوحدة الخليجية، وقال إن الشيخ تميم "صديق رائع لي ونعمل معا بشكل جيد". وفي موضوع محاربة الإرهاب قال ترامب إنه يعمل مع الدول التي أوقفت تمويل الإرهاب، وهذا بحسب مراقبين يشمل أيضا الإمارات والسعودية ودولا أخرى. وترجع أطراف عديدة فشل دول الحصار في مساعيها إلى فاعلية النشاط الدبلوماسي والإعلامي القطري، وإلى انتباه الولاياتالمتحدة إلى المفارقة الكبرى التي خلقها التحالف الرباعي بمحاصرته المحمومة لقطر، في الوقت الذي يدّعي فيه عداء إيران، فهذا الحصار ترك الباب مفتوحا لطهران وترك الموقف يتحسن لصالحها. ويعتقد الأكاديمي العُماني والخبير في الشؤون الإستراتيجية عبد الله الغيلاني أن الأزمة الخليجية "أدت إلى تصدع إستراتيجي في الدولة الخليجية، فهي اليوم ضعيفة مهلهلة متراجعة، وصارت موقعًا لابتزاز المشروعين الإيراني والأميركي، والتجاذبات الأخرى في المنطقة". ويضيف في حديثه لوكالة الأناضول "صارت دول الخليج عرضة للابتزاز، الولاياتالمتحدة الآن تبتز الدولة الخليجية بمبيعات الأسلحة عبر ضخ الأموال من خلال الضغط السياسي". وحذر من تفاقم أزمة حصار قطر لتتوسع وتشمل دولا خليجية أخرى بقوله "عبر قراءتي للرأي العام الكويتي، هناك ما هو أكثر من قلق، ربما هناك شعور يقترب من اليقين بأن ما حدث لقطر من عدوان سياسي يمكن أن يحدث لسلطنة عُمان والكويت". وفي قراءة مغايرة، يرى الدكتور محمد الجوادي في مقال سابق على الجزيرة نت أن الخبرة التاريخية "علمتنا أن حيوية السياسة الأميركية -بحكم ما انتهت إليه من قيم توافقية في الفهم والصياغة- ظلت تبحث دوما عن المزاوجة المنتهية بالموازنة بين أي توجهين متبلورين يبدوان متعارضيْن، ولا يلبث الزمن الأميركي -بصخبه الإعلامي والمعلوماتي- أن يمزجهما مزجاً متوازنا، ليخلق من موازنته بينهما عامل تسيير جديد لأحد الجوانب في الحياة الروتينية، أو عامل دفع حاثٍّ لأحد الطموحات غير التقليدية". بمعنى، أن مراكب الإدارة الأميركية رست، بعد نحو عام من أزمة حصار قطر، في منطقة وسط بين ما بدا أنه موقف منحاز لدول الحصار، وآخر متفهم لمظلومية قطر في هذه الأزمة. وبناء عليه أبدى البيت الأبيض ووزير الخارجية الجديد انفتاحا لافتا على قطر خلال زيارة الأمير تميم لواشنطن. في تغريدة لمكتب الاتصال الحكومي القطري "أرادت دول الحصار نقل قاعدة العديد من #الدوحة. وفي يناير/كانون الثاني 2018، أعلنت دولة قطروالولاياتالمتحدة الأميركية خططا لتوسيع قاعدة العديد لتكون قاعدة دائمة". القمة الخليجية التي أعلنت واشنطن استضافتها في كامب ديفيد لحل أزمة حصار قطر، حدد موعدها المبدئي في سبتمبر/أيلول، وإن كانت الدعوات لم ترسل بعد، حسب تصريح وزير خارجية الكويت، الدولة الوسيطة لحل النزاع بين قطر والدول الأربع. واشترط ترامب على دول الحصار إنهاء الأزمة قبل انعقاد القمة. بما يوحي بأن هذه الدول لديها هامش من الوقت لاستمرار الحصار، لكنه هامش غير مفتوح. في ميزان الولاياتالمتحدة تبقى دول الحصار من جهة وقطر من جهة أخرى حلفاء إستراتيجيين في المنطقة، لذلك يرى محللون عديدون أن أميركا ليس من مصلحتها أن تخسر أيًّا من أطراف الأزمة، ما دامت هذه المصالح متحققة مع كل طرف على حدة. ويأتي تصعيد الأجواء مع إيران في الملف النووي، ليضيف عاملا جديدا في كفة الحرص الأميركي على إنهاء أزمة الحصار، ونزع فتيل الصراع على الضفة العربية للخليج، لأن استمرار الأزمة سيصب حتما في صالح الضفة الأخرى من الخليج، ويخفف عن إيران الضغوط الأميركية، واستنزافها سياسيا واقتصاديا. وورد في تقدير للموقف أعده مركز الجزيرة للدراسات حول تعاطي واشنطن مع أزمة الخليج في المرحلة القادمة أن "ثمة مصلحة إستراتيجية لدى واشنطن في مرحلة ما بعد تيلرسون في التركيز على الملف الإيراني، سواء في شقه التعاقدي ضمن الاتفاق النووي، أو العسكري لثني طهران عن تطوير برنامجها النووي كمحصلة نهائية يلتف حولها كل من ترامب وبومبيو ونتنياهو العائد حديثًا من واشنطن بعد تصعيد الخطاب التحذيري من طموحات إيران خلال مؤتمرإيباك الماضي في واشنطن". ولا يعني عقد القمة الخليجية في كامب ديفيد وإنهاء الحصار أن تعود العلاقات بين طرفي الأزمة "سمنا على عسل"، أو حتى كما كانت قبل الخامس من جوان 2017، فقد تكتفي الأطراف بإنهاء الحصار بشكل رسمي ووقف الحملات الإعلامية، في حين تبقى على قدر بارد من العلاقات في حدها الأدنى.(الجزيرة .نت)